غيوم وآفاق على مشارف عام جديد

00:25 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

كل عام جديد يحمل معه تحديات وأزمات العام الذي قبله. كان عام 2022 هو عام تقوض النظام الدولي، الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية وطرأت عليه تحولات عميقة عند سقوط سور برلين وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم.

في ذلك العام تبدّى اضطراب غير مسبوق في العلاقات الدولية وموازين القوى وحسابات الدول. السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه على عام جديد يوشك أن يحلّ: ما مصير الحرب الأوكرانية؟ هل تتوقف آلة الحرب.. أم أنها سوف تتمدد في الزمن بنيرانها وتكاليفها الباهظة؟

في مثل هذه الأجواء الدولية المأزومة من المنتظر أن يبدأ سباق تسلح جديد، كما لم يحدث منذ ثمانينات القرن الماضي، لإثبات القدرة العسكرية الفائقة.

مع قدوم الشتاء من المؤكد أن ترتفع وتيرة الحرب وتتزايد معدلات ونوعية التسليح والتدريب.

تحت ضغط الاستنزاف العسكري والاقتصادي من المرجح للغاية اتساع نطاق الإضرابات الاجتماعية في دول أوروبية رئيسية كفرنسا وانجلترا وتتفشى ظواهر اليمين المتطرف، كما حدث في ألمانيا وإيطاليا.

اليمين الفاشي يستدعي بالضرورة التنظيمات الإرهابية، كلاهما يحتاج الآخر ويبرر وجوده. بنفس الوقت فإن روسيا بحاجة أن توقف النزيف الاقتصادي تحت وطأة العقوبات المفروضة عليها.

التسوية السياسية ليست مستبعدة لكنها محفوفة بالمخاطر إذا أفلتت حساباتها على البيت الأبيض والكرملين معاً.

الجانبان يدركان أنه لا يمكن الاستمرار في حرب مفتوحة منهكة دون أفق سياسي يعمل على إنهائها، لكنهما لا يبديان استعداداً لأي تنازل عما يسعيان إليه من أهداف في تلك الحرب.

لا الولايات المتحدة مستعدة أن تسلم بأي انتصار روسي، حتى ولو كان محدوداً ورمزياً، فهو يعني تسليماً بتراجع مكانتها الدولية كقطب أوحد في النظام الدولي. ولا روسيا مستعدة لأية خسائر استراتيجية تفقدها مكانتها في محيطها المباشر، كما في بنية العلاقات الدولية كلاعب فاعل ومؤثر كلمته مسموعة.

بين طلب التسوية وفعل التصعيد لتحسين الموقف التفاوضي تتكثف الغيوم على المسرح الدولي كله، فلا أحد يعرف أين يقف؟.. ولا إلى أين يمكن أن يمضي؟

لا النظام الدولي القديم مستعد أن يغادر ولا الجديد بوسعه أن يعلن وجوده.

كان لافتاً في عام 2022 اتساع الكلام الدبلوماسي عن نظام دولي جديد. لم تنشأ الحاجة إلى نظام دولي جديد بأثر الحرب الأوكرانية وحدها.

عند كل منعطف يضع مصير العالم بين قوسين كبيرين تتأكد أهمية البحث عن قواعد جديدة أكثر عدلاً واستقراراً في العلاقات الدولية.

التحول من نظام دولي إلى آخر لا يتم بين يوم وآخر، بل يستغرق وقتاً طويلاً نسبياً حتى تتأكد حقائقه الجديدة على ما حدث إثر الحرب العالمية الثانية بين عامي (1945- 1956) التي كشفت معاركها وحسابات القوة فيها أن العالم قد تغير.

في حرب السويس سقطت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية وتأكدت مكانة القطبين الجديدين الأمريكي والسوفييتي وأعلنت حركات التحرير الوطني بقيادة جمال عبدالناصر حضورها على مسارح التاريخ.

اللافت- هنا- تبني الرئيس الأمريكي جو بايدن دعوة توسيع مجلس الأمن الدولي ليضم دولاً جديدة، بينها ألمانيا والهند وممثل للاتحاد الإفريقي، أي الحفاظ على جوهر النظام الدولي الذي تتسيده مع توسيع المشاركة فيه.

أين الصين من ذلك كله؟ هذا سؤال جوهري يطرح نفسه على تفاعلات العام المقبل. بالوزن الاقتصادي فإنها القطب الدولي الثاني. وبالوزن السياسي فإنها عنصر مرجح في حسابات القوة والنفوذ والمصالح. تتحالف مع روسيا لكنها تترك مساحة كافية للمناورة الاستراتيجية وكسب النقاط لمشروعها الاقتصادي. تتحدى السياسة الأمريكية في تايوان بمظاهرات سلاح لتؤكد حقها في «صين واحدة»، دون أن تكون مستعدة لإرباك مشروعها طويل المدى بأية مغامرات عسكرية.

فوق ذلك كله فإنها طرف رئيسي في نزاعات أخرى بالمحيطين الهندي والهادي، وطرف رئيسي في معادلات الأمن والاستقرار في محيطها الآسيوي.

بالنظر إلى طبيعة التوجهات الصينية التي تميل تقليدياً إلى الحذر، فإن القواعد الحالية التي تحكم حركتها سوف تتمدد في عام 2023 دون تغييرات دراماتيكية.

الصراع على إفريقيا عنوان رئيسي آخر للأزمة الدولية الراهنة. طرفاها الرئيسيان هذه المرة، الولايات المتحدة والصين.

القمم الموسعة التي يدعوان إليها تدخل في صراعات القوة وتأكيد النفوذ. الإقليم الذي نعيش فيه ميدان رئيسي لاختبارات القوى. أزماته شبه مجمدة وقضاياه شبه مرحلة. لا حسم قريب في أي ملف.

السؤال التقليدي هنا: يوقّع أو لا يوقّع الاتفاق النووي الإيراني؟!.. وهو يتعدى نصوص الاتفاق إلى حسابات المصالح والتوازنات في الإقليم. من ناحية نظرية لا توجد مشاكل يعتد بها لإحياء الاتفاق النووي. ومن ناحية فعلية تخشى الإدارة الأمريكية الحالية تبعات إحياء ذلك الاتفاق على حظوظها في تمديد رئاستها 2024، تريد أن تقول لمواطنيها إنها لم تتنازل، وأنها أجبرت إيران على تنازلات جوهرية تعيد تعريف أدوارها في الإقليم.

بين الشد والجذب كل الاحتمالات واردة، أن يوقّع الاتفاق أو لا يوقع أبداً. أن يفلت الموقف عن السيطرة أو أن تظل كل الحسابات تراوح مكانها.

مرة بعد أخرى تنتج أزمات العالم العربي نفسها بصيغ جديدة دون أن تطويها، كما في ليبيا واليمن والعراق ولبنان وسوريا، فضلاً عن القضية الفلسطينية التي كانت توصف عن حق بأنها قضية العرب المركزية.

العالم تتكاثر عليه الغيوم دون أن ينتابه اليأس في نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdemwkwt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"