سقوط ورقة وتثبيت أخرى

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

توديع عام واستقبال عام جديد يتم لدى العامة بالألعاب النارية والأغاني والرقص والاحتفالات، ولدى الخاصة، وهم المفكرون والمثقفون والفلاسفة، بالتأمل والتخطيط والاستشراف وجرد الحسابات، أما السياسيون وأصحاب القرار الدولي فالانتقال مجرد سحب ورقة من التقويم واستبدالها بأخرى، حيث تظهر أرقام جديدة فقط، لأن عملهم مبني على حسابات مختلفة لا يؤثر بها الانتقال الشكلي. لهذا، فالعام الجديد هو استمرارية طبيعية وسلسة للحياة السياسية بأحداثها وتفاعلاتها ومكرها وطيبتها. فهم لا يقفلون ملفات في آخر العام ويفتحون ملفات أخرى، ولو حرصوا على ذلك لتغيرت مجريات أحداث كثيرة، لكن الصراعات تنتقل بشكل طبيعي والحروب تستمر حاملة معها الأزمات والانفراجات.
 العام 2022 حمل على ظهره إشكاليات وأحداث وإنجازات العام 2021، وسيرث العام 2023 ذاك التراكم المتشكل عبر عقد أو عقود من الزمان، بكل هواجسه وأزماته، ولو اعتمدنا كلام المتنبئين من العرب وغير العرب فسنضع أيادينا على قلوبنا من هول ما يتنبأون به، رغم أنهم يصدقون أحياناً.
 لقد مرّ العالم خلال العام 2022 بأزمات حادة حقيقية وأخرى مفتعلة، أما الحقيقية التي انعكست بشكل جدي على اقتصادات الدول، فتتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية، وقد تكون هذه الحرب أحدث نتائج التوتر أو الحرب الباردة، بين الشرق والغرب، وانفجرت بشكل دراماتيكي لتخلق معها أزمات في إمدادات الغذاء والطاقة، وتعيد ترتيب أو تثبيت التحالفات من جديد، فقد اكتشف العالم اتكاله الكبير على ما تنتجه أوكرانيا من مواد غذائية، وما تنتجه روسيا من غاز، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني نتيجة نقص المواد، وها هي الدول التي كانت تستورد الغاز من روسيا تعاني من البرد وارتفاع جنوني في أسعار الطاقة، وبذلك تدفع الشعوب ثمن قرارات مؤلمة، وسوف تزداد المعاناة كلما طال أمد الحرب، ولا شك أن العام 2023 سيبقى يعاني من تبعات الحرب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
 وسيرث العام 2023 أيضاً ملف البرنامج النووي الإيراني، الذي سيبقى يشكل أزمة ثقة بين إيران والولايات المتحدة، وربما منطقة الخليج، وسيظل عاملاً من عوامل عدم الاستقرار. 
وعلى الصعيد السياسي أيضاً، لا أمل في الأفق أن تجد القضية الفلسطينية حلاً في العام 2023، وجميعنا نعلم الانعكاسات السلبية لعدم وجود تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على التنمية والاستقرار في المنطقة. 
 ونشك كمراقبين في إيجاد صيغة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بخصوص البرنامج النووي، ولن ندخل في قصدية إبقاء الصراع من عدمه، وكذلك، نشك في أن يتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى حل يرضي الطرفين ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي الحالتين، إن من يدفع الثمن هي الشعوب، وفي هذا ستستمر مشكلة اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط والعالم، لا سيما أن الدول التي عانت من تبعات «الربيع العربي» لم تحقّق الاستقرار، في ظل وجود التنظيمات المتشددة، وتدخّل دول الجوار وبعض القوى العالمية في شؤون تلك الدول، ونعتقد أن العام 2023 سيحمل معه هذه الفوضى وإشكالياتها وتداعياتها، إلى حين إعادة ترتيب الأوراق وتحقيق السلم الأهلي، وتدخّل حاسم من قبل القوى العظمى بتحجيم مصالحها في المنطقة.
في الجانب الآخر، أي مشهد الكأس المملوءة، هنالك جوانب مضيئة على صعيد التقدم العلمي وخاصة التقني، ونعتقد أن العالم سيواصل تقدمه وتطوّره إلا إذا حصلت كوارث طبيعية. 
وعلى صعيد منطقة الخليج، وتحديداً دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، نعتقد أنها ستضيف إنجازات أخرى إلى ما تم إنجازه، ويمكننا الحديث بشكل حقيقي عن التنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة.. عن المسيرة التي نعرفها ونختبرها ونعيشها كل يوم، نعتقد جازمين أن مسيرة التنمية ستحقق قفزات أخرى، وستكون هناك فرص عمل جديدة في مجالات جديدة مثل عالم التقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء، والصناعات المتطورة، وستواصل الإمارات تنويع اقتصادها بهدف الوصول إلى مجتمع المعرفة القائم على المهارات والكفاءات البشرية.
 نأمل أن يعم السلام وتنتشر قيم المحبة والتسامح في كل بقاع الأرض، وكل عام والإمارات والأمتين العربية والإسلامية والمجتمع البشري بخير.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rh3a4ku

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"