عادي
بعد 14 شهراً بلا حكومة.. العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات

السودان يستقبل 2023 باتفاق ينتصر للحكم المدني

01:02 صباحا
قراءة 5 دقائق
جانب من مليونية «الآباء والأمهات» دعماً للحراك الشبابي المطالب بالدولة المدنية (ا ف ب)
ض
قادة الجيش والمكون المدني يرفعون الاتفاق الإطاري بعد توقيعه في القصر الجمهوري
جانب من الاحتفال بتوقيع الاتفاق الاطاري
جانب من تظاهرات في الخرطوم تطالب بالحكم المدني الديمقراطي (أ.ف.ب)
جانب من التظاهرات المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي
1

يستعد السودان إلى دخول العام 2023 بوضع أفضل مما عاشه طوال 14 شهراً من أزمة سياسية مستحكمة، أدت إلى مقتل 123 محتجاً وإصابة أكثر من 500 آخرين، عدا ضحايا العنف القبلي في دارفور والنيل الأزرق وغرب كردفان، بعد إجراءات قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 والتي حُلّ بموجبها مجلسا السيادة والوزراء واعتقال أعضاء من مجلسي السيادة والوزراء المنحلين وقادة أحزاب وناشطين سياسيين وقادة منظمات مجتمع مدني، توصل المكون العسكري والجانب المدني لاتفاق إطاري، ينسحب بموجبه الجيش من الحياة السياسية نهائياً وتقود البلاد حكومة مدنية بالكامل لمدة 24 شهراً تجرى في نهايتها انتخابات حرة نزيهة.

لقد أجّجت إجراءات قائد الجيش الشارع السوداني ليس في العاصمة بمدنها الثلاث «الخرطوم - أم درمان والخرطوم بحري» وحدها بل انتشرت الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي وسرت كالنار في الهشيم لتشمل حواضر الولايات والمدن الكبرى والقرى النائية مؤكدة للعالم أجمع إصرار وعزيمة أبناء السودان على حماية ثورة ديسمبر/ كانون الأول المجيدة التي أزاحت حكم جماعة الإخوان البغيض الذي جثم على صدورهم ثلاثين عاماً حسوماً أذاقهم فيها خسف الهوان وصنوفاً وألواناً من الانتهاكات والاستبداد والدمار والنهب المنظم لثروات البلاد واستغلال الدين الحنيف لتحقيق مآربه الدنيوية الدنيئة.

اختراق مهم

في نهار الاثنين الموافق 5 ديسمبر الماضي تم التوقيع بالخرطوم على اتفاق إطاري بعد مخاض عسير ومشاورات مضنية، قامت بها الآلية الثلاثية التي تضم البعثة الأممية لحماية الفترة الانتقالية في السودان «يونيتامس» وبعثة الاتحاد الإفريقي ومنظمة «إيقاد» وشاركت الرباعية الدولية التي تضم الإمارات العربية المتحدة والسعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في تسهيل المفاوضات بين الجانب العسكري والمكون المدني ممثلاً في قوى إعلان الحرية والتغيير «المجلس المركزي».

كان الأساس الذي تم البناء عليه مشروع الدستور الانتقالي الذي تقدمت به اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الذي تم نقاشه على نطاق واسع من خلال ورش عمل نظمتها النقابة شملت كل ألوان الطيف السياسي.

ووجدت مسودة نقابة المحامين تأييداً وقبولاً من أحزاب قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وبعض الكيانات الأخرى، ولكن كان العامل الحاسم في قبول المسودة عندما تلقت الآلية الثلاثية في 24 أكتوبر، ورقة من القيادة العسكرية تحمل تعليقاتها وتعديلاتها على المسودة، ومثّل هذا أول اختراق مهم.

الموقعون والرافضون

وقّع على الاتفاق الإطاري نحو 50 كياناً مدنياً بينها أحزاب منضوية تحت قوى «الحرية والتغيير»، والحزب الاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني والمؤتمر الشعبي، وجماعة أنصار السنة المحمدية، وأجسام مهنية ومجموعات متحالفة معها.

ورفضت مجموعة قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) الاتفاق جنباً إلى جنب مع مجموعات من «لجان المقاومة» وتجمع المهنيين وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة جعفر الميرغني والحزب الشيوعي وبقايا «الإخوان».

27 بنداً

ويتضمن الاتفاق الإطاري 27 بنداً، أبرزها تسليم السلطة الانتقالية إلى حكومة مدنية كاملة تتكون من ثلاثة مستويات دون مشاركة القوات النظامية التي منحت تمثيلاً في مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني. كما نص الاتفاق على النأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الأنشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية، ودمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش، ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري يقود إلى جيش مهني وقومي واحد.

حلول بمشاركة واسعة

وبعد توقيع الاتفاق الإطاري، قال رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إن الموافقة على الاتفاق الإطاري لا يعني اتفاقاً مع طرف وإنما هو توافق على قضايا وطنية يجب أن يتم وضع الحلول لها بمشاركة واسعة.

وأكد البرهان أن خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية نهائياً يجب أن يصاحبه خروج القوى السياسية من المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية تحقيقاً لشعار (العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات). وقال «لا حجر على قوى الثورة من الحرية والتغيير أوالتنظيمات الثورية المتفق عليها للانضمام إلى الاتفاق الإطاري في أي وقت».

حميدتي: 25 أكتوبر خطأ سياسي

وأقر نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، بأن ما حدث في 25 أكتوبر خطأ سياسي فتح الباب لعودة قوى الثورة المضادة. ودعا حميدتي، في كلمته، الجميع للاعتراف والاعتذار عن عنف وأخطاء الدولة تجاه المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية مطالباً بالعدالة والعدالة الانتقالية، فيما أكد الواثق البرير القيادي في الحرية التغيير، إن الاتفاق الإطاري والاتفاق النهائي سيشكلان مرجعية ومحتوى الدستور الانتقالي لتأسيس مسار انتقالي جديد، وتحقيق أهداف الثورة.

أرضية جيدة لمرحلة جديدة

وذكر المبعوث الدولي إلى السودان فولكر بيرتس، أن الاتفاق ليس كاملاً لكنه يشكل أرضية جيدة لمرحلة جديدة. وشجع فولكر، الأطراف الأخرى على الانضمام إلى العملية السياسية.

في ذات الوقت قال ممثل الاتحاد الإفريقي إنه لا بد من السعي للتأسيس لأكبر قاعدة مدنية لتفادي أي ارتداد لهذا المسار.

وقوبل توقيع الاتفاق الإطاري، بترحيب دولي واسع، على أمل إنهاء الأزمة السياسية المستمرة في السودان. ووصفت الرباعية الدولية ومجموعة الترويكا التي تضم النرويج بجانب الولايات المتحدة، وبريطانيا؛ الاتفاق بأنه «خطوة مهمة نحو استعادة حكومة بقيادة مدنية في السودان». وجدد أصدقاء السودان، التزامهم بدعم الانتقال السياسي، وتطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة والازدهار. وتضم المجموعة كل من «كندا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، هولندا، النرويج، السعودية، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي». ورحبت الدول العربية بتوقيع الاتفاق، معلنة مواصلة دعمها للسودان بما يحفظ أمنه واستقراره. كما رحبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومعظم دول جوار السوداني الإفريقية بالاتفاق، بينما رحبت واشنطن بتوقيع الاتفاق، وأعلنت فرض قيود على التأشيرات على من وصفتهم ب«معرقلي» التحول المدني في السودان من العسكريين والسياسيين وأفراد أسرهم المباشرين.

عودة الميرغني.. والتأثيرات المحتملة

قبيل توقيع الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري والمدنيين بأيام، عاد الزعيم التاريخي، محمد عثمان الميرغني، إلى الخرطوم، وسط توقعات وآمال بأن يكون لعودته تأثير مباشر في مجريات المشهد السياسي.

ويعد الميرغني، أحد زعماء السودان التاريخيين، وهو مرشد الطريقة الختمية، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، أحد أكبر الأحزاب السودانية التي شاركت في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير حتى سقوطها العام 2019.

عاد الميرغني إلى السودان، في 22 نوفمبر الماضي، وسط استقبال جماهيري حاشد،وذلك بعد نحو 10سنوات قضاها في منفاه الاختياري في القاهرة، بيد أن عودته لم تسهم،على الفور، في إحداث أية انفراجة داخل حزبه ولا في المشهد السياسي السوداني عامة، حيث يشهد الحزب الاتحادي حالة استقطاب سياسي حادة، لا سيما وأن تياراً بقيادة نجله الأكبر محمد الحسن، يؤيد الحرية والتغيير«المجلس المركزي»، بينما يؤيد تيار ثانٍ بقيادة النجل الأصغر جعفر الصادق، مجموعة «الكتلة الديمقراطية».

وكان من اللافت أن يصدر بيان من الحزب بتجميد نشاط نجله محمد الحسن، ولكن ذلك لم يمنعه من التوقيع على الاتفاق الإطاري.

وتتحدث مصادر عن أن عودة الميرغني تمت بالترتيب مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

لقد ظل الميرغني طوال فترة وجوده في مصر يدعو لوحدة الصف وتجنيب البلاد ويلات الإنقسام والفرقة، وظل يقدم المبادرة تلو الأخرى لذلك الهدف، فهل تنجح عودته في لمّ شمل السودانيين؟.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jwbjxtt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"