عادي

عام حافل بالحراك

22:56 مساء
قراءة 7 دقائق
مكتبة محمد بن راشد

الشارقة: علاء الدين محمود
ربما يكون العام 2022 هو الأكثر تميزاً وإشراقاً في المجال الثقافي مقارنة بالأعوام الثلاثة السابقة له، حيث شهد عودة جميع الأنشطة الثقافية على مستوى الإمارات والعالم ككل بعد توقف دام بسبب جائحة كورونا، ولئن كان العام 2021، قد بالعديد من المناسبات الثقافية المهمة والكبيرة عبر العودة التدريجية للجمهور إلى الساحات والندوات والمسارح بصورة مباشرة ليمتع، فإن العام 2022، شهد الخروج الأكبر من عنق الجائحة وهو الأمر الذي كان له انعكاسه الإيجابي على الحراك الثقافي حول العالم، وعلى الفنانين والمبدعين في كل مكان حيث شهدت الكثير من الدول العربية ودول العالم أجمع مناسبات فنية وأدبية مختلفة، والتي تميزت بالحضور الكبير الذي يؤكد على حب الناس للثقافة والمعرفة.

شهدت الكثير من الدول والعواصم العالمية فعاليات وأنشطة ومهرجانات ثقافية مميزة، حيث أقيمت الكثير من المعارض في أمكان مختلفة من العالم، خاصة تلك التي تتمتع بسمعة كبيرة مثل معرض «فرانكفورت للكتاب»، في ألمانيا، و«هونج كونج الدولي للكتاب»، وغير ذلك من المناسبات العالمية للكتب، وذلك حدث أيضاً في العالم العربي الذي شهد الكثير من المناسبات والمعارض المختصة بالكتب مثل معرض القاهرة للكتاب، وتلك التي شهدتها مدن الكويت والرياض وعمان وجدة وتونس والخرطوم، وغير ذلك من العواصم العربية والتي صاحبتها أنشطة وفعاليات فكرية وثقافية متعددة.

أيضاً شهد العام الاحتفال بعدد من المسابقات والجوائز الثقافية والإبداعية العالمية، على رأسها جائزة نوبل للأدب التي ذهبت إلى المؤلفة الفرنسية آني إرنو «لشجاعتها وبراعتها الموضوعيّة التي كشفت بها الجذور، والقيود الجماعيّة والتغريب للذاكرة الشخصية»، وهنالك جائزة «البوكر»، التي فاز بها الكاتب السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا عن روايته «الأقمار السبعة لمعالي ألميدا»، حيث أقيم، بهذه المناسبة، أول احتفال بالحضور الشخصي منذ عام 2019، كما شهدت الكثير من العواصم العالمية عودة كبيرة للمسرح والفنون الإبداعية الأخرى، وعلى مستوى الجوائز والمسابقات في العالم العربي، كانت هنالك جائزة البوكر العربية أعلنت في شهر مايو والتي فاز بها الكاتب الليبي محمد النعاس عن رواية «خبز على طاولة الخال ميلاد».

موسم مختلف

أما في الإمارات، فقد عاشت الدولة تفاصيل عام ثقافي مختلف ومتفرد، وذلك بعودة مجمل النشاط الإبداعي والأدبي، خاصة تلك المناسبات الثقافية التي توقفت خلال الأعوام الماضية بسبب الجائحة، وعلى الرغم من أن الإمارات تعد من أكثر الدول التي استمر النشاط الثقافي فيها على الرغم من الظروف الصحية، إلا أن هنالك العديد من الفعاليات التي غابت وعادت خلال العام 2022، بقوة، خاصة على مستوى المسرح والفنون التشكيلية والمناسبات الأدبية، وهو الأمر الذي يشير إلى الأهمية الكبيرة التي توليها الدولة للثقافة والمثقفين، فلا يكاد يمر شهر دون أن تشهد إحدى إمارات الدولة حدثاً أو فعلاً أو نشاطاً ثقافياً، ودائماً ما تحمل جعبة العمل الثقافي الجديد الذي يضيف إلى الحراك الكثير ويسهم في تطويره وازدهاره بما يتوافق مع رؤية الدولة للفكر والثقافة والمعرفة كروافع مهمة وأساسية في عملية التقدم والتنمية.

والمتعة كانت أكثر حضوراً وإشراقاً مع الحدث الثقافي الذي ظل ينتظره عشاق القراءة والأدب في كل عام، ألا وهو معرض الشارقة الدولي للكتاب، في نسخته ال41، في شهر نوفمبر من العام، والذي عاد في ثوب أكثر زهاءً وبهاءً، والذي يعتبر أكثر من منصة لعرض وبيع الكتب، وذلك لما يحمله من فعاليات وندوات وأنشطة حضرها جمهور كبير متعطش للمعرفة، وبمشاركة واسعة من قبل دور النشر العربية والعالمية، والضيوف من كبار الفنانين والمبدعين العالميين والعرب، وعلى مدار 11 يوماً عاش عشاق القراءة والاطلاع في رحاب معرض المهرجان الثقافي العالمي، والمنصة الأكبر لبيع الكتب الورقية والإلكترونية في أجواء مثالية تحث على المتعة واقتناء المؤلفات والكتب، فكان أن توافدت الحشود الجماهيرية منذ أول يوم، بفئاتهم المتباينة، الكبار والصغار، وبمختلف ميولهم الأدبية والإبداعية والمعرفية، ليثبت المعرض في كل مرة أنه الحدث الثقافي والإبداعي الأكبر ليس في الإمارات وحدها بل وعلى مستوى المنطقة العربية والعالم أجمع.

متابعة كبيرة

وكذلك شهدت الشارقة تنظيم الدورة ال11 من مؤتمر الناشرين، وهو الحدث الذي يعد هو الآخر من أهم المناسبات العالمية المهتمة بالثقافة، والذي يقام بالتعاون مع الاتحاد الدولي للناشرين، وقد جاء هذه المرة بمشاركة كبيرة من قبل الناشرين والوكلاء الأدبيين، من مختلف أنحاء العالم، ويعكس ذلك الحدث الفريد الاهتمام العالمي الكبير بالقراءة وعملية النشر، لذلك فإن المؤتمر ظل يحظى بمتابعة كبيرة من كل المؤسسات الثقافية والقرائية في كل مكان، وهو كذلك يهتم بموضوع الكتاب الإلكتروني الذي تعزز وجوده مع التطور التقني، لتظل تلك الجهود النظرية والعملية التي تسكب على جوانب المؤتمر من خلال النقاش العلمي المستفيض بمثابة الرؤى التي تبنى عليها الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بطباعة الكتاب وعملية القراءة التي هي بلا شك الرافعة التي تقوم عليها النهضة الإنسانية.

ونظمت دبي في شهر إبريل النسخة الثالثة من معرض كتاب «بيغ باد وولف» في مدينة دبي للاستوديوهات، والذي ضم أكثر من مليون كتاب، ويعد أكبر سوق لتخفيضات الكتب في العالم.

ولعل من أهم المناسبات والأحداث التي شهدتها الدولة في العام المنصرم هو الدورة 31 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، التي انطلقت في شهر مايو الماضي، بمشاركة واسعة للكثير من دور النشر العربية، والمعرض يعد من الفعاليات الثقافية الكبيرة في الدولة، والتي تحظى باهتمام واسع من الجمهور والمبدعين في دولة الإمارات التي ظلت على الدوام تعلي من قيمة القراءة والاطلاع وتطلق من أجلها العديد من المبادرات والمشاريع.

كما شهد شهر نوفمبر من العام المنصرم، انطلاقة فعاليات النسخة 13 من «مهرجان العين للكتاب 2022»، وهو الحدث المهم الذي يحتفي بأعمال الكُتاب والمبدعين الإماراتيين والعرب في الماضي والحاضر، والذي شهد العديد من الأنشطة الثقافية والفكرية.

فنون

ولعل الملاحظة الجديرة بالذكر أن الفعاليات والأنشطة الثقافية في الدولة شملت خلال العام كل أنواع الأدب والفنون، وكان هنالك اجتهاد على الدوام على انجاحها بشتى السبل، فخلف تلك المناسبات الثقافية يقف جهد كبير مبذول من قبل المؤسسات الثقافية الخاصة والحكومية، حيث شهدت الشارقة مطلع العام في شهر يناير اختتام الدورة 24، من مهرجان الفنون الإسلامية الذي جاء تحت شعار «تدرجات»، على مدى 40 يوماً في مختلف مناطق الشارقة بمشاركة فنانين إماراتيين ومن دول عربية وعالمية.

ومن أهم الفعاليات التي شهدتها إمارة الشارقة تنظيم النسخة 14 من «لقاء مارس»، الذي عقد تحت شعار: «متحورات ما بعد الاستعمار»، متخذاً من إرث الاستعمار المتواصل موضوعاً رئيساً، بالتوازي مع قضايا أخرى مستجدة تركت أثرها في الممارسات الثقافية والجمالية والفنية العالمية.

وشهد شهر أكتوبر الماضي، تنظيم الشارقة للنسخة العاشرة من «ملتقى الشارقة للخط»، بمشاركة 718 عملاً فنياً ل231 فناناً من مختلف دول العالم، كما ضم 219 فعالية من معارض، وورش فنيّة، ومحاضرات، وندوات، استضافتها دائرة الثقافة مع أكثر من 20 جهة ومؤسّسة في الشارقة، أنتجت أشكالاً إبداعية محتشدة بالأطروحات الجمالية العامرة بالرؤى والحافلة بالمعاني، لتزيد من ألق واحدة من أهم الفعاليات التي تبرز الخصوصية الثقافية والإبداعية للعالم الإسلامي

مسرح

ولأن للمسرح أهمية خاصة في الحراك الثقافي الإماراتي، فقد شهدت الدولة العديد من المهرجانات المسرحية وكانت البداية في العام المنصرم في شهر مارس مع الدورة ال31، من مهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، الذي يعد من أكبر الفعاليات المسرحية في الدولة، كما شهدت دبي تنظيم مهرجان «دبي لمسرح الشباب» في شهر أكتوبر، الذي جاء هذه المرة بشعار الكوميديا الهادفة، كما شهدت مدينة كلباء في الشارقة، في شهر سبتمبر، تنظيم النسخة ال9 من مهرجان «كلباء للمسرحيات القصيرة»، في المركز الثقافي لمدينة كلباء، وكذلك شهدت الشارقة في شهر ديسمبر فعاليات الدورة السادسة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بمنطقة الكهيف، وشهدت الشارقة أيضاً في شهر ديسمبر فعاليات مهرجان «الإمارات لمسرح الطفل».

منصة للمعرفة

كان الافتتاح الرسمي لمكتبة محمد بن راشد، في 13 يونيو الماضي، من الأحداث الثقافية المهمة في الدولة، وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قد أطلق المكتبة في عام 2016، ذلك التاريخ المهم الذي شهد انطلاق عام القراءة في دولة الإمارات، وبدأت المكتبة في استقبال الزوار في 16 يونيو 2022 وهي مكتبة ضخمة تتجاوز مساحتها نصف مليون قدم مربعة، أي ما يقارب 66,000 متر مربع، وتُعرف بتصاميمها المعمارية المبهرة وموقعها الفريد من نوعه، فهي تأخذ شكل كتابٍ مفتوح وتقع على ضفاف خور دبي، وأُطلق هذا الصرح العظيم لتكون ملتقى للمثقفين ومحبي العلم.

وتضم المكتبة العربية الأكبر، مكتبات متخصصة وتحتوي على المبنى الرئيس والذي يتكون من سرداب وطابق أرضي وسبعة طوابق علوية، كما تحتوي على مختبر رقمي ومختبر المحافظة على الكتب وتجميع ومعالجة وإدارة المواد ومختبر التحويل الرقمي، وتشتمل كذلك على مركز المعلومات والمكتبة العامة ومكتبة الدوريات ومكتبة الأطفال وأنشطة أخرى تساهم في توسيع إدراك الأطفال وتشجيعهم على القراءة، ومكتبة الأطالس والخرائط، ومكتبة الإعلام والفنون والمنشورات السمعية والبصرية وخدمات الإنترنت ومكتبة الشباب وغرف الدراسة وغرف الاجتماعات والمؤتمرات، ومكتبة المجموعات الخاصة والتي تحتوي على مقتنيات وكتب ومقالات نادرة ومكتبة الأعمال ومناطق متعددة للقراءة المفتوحة والمعارض المؤقتة والدائمة، ومسرح ضخم وأركان لاستعارة الكتب لتُمكن الزوار والمرتادين والسياح من مواكبة حركة التطور العلمي والثقافي في العالم، كما أن المكتبة هي بمثابة معرض دائم للفنون، وحاضنة لأهم المؤسسات المتخصصة بدعم المحتوى العربي، ومنبراً لأكثر من 100 فعالية ثقافية ومعرفية سنوية.

كما تعمل المكتبة على دعم عملية التأليف ونشر المحتوى، في الدولة بل وفي العالم العربي أجمع، وكذلك حماية اللغة العربية، والحفاظ على الموروث الثقافي، إضافة إلى دورها في تشجيع القراءة، فهي تعتبر حاضناً وداعماً لتحدي القراءة العربي، الذي يضم 2,5 مليون طالب من 20 ألف مدرسة في العالم العربي يعكفون على قراءة 125 مليون كتاب سنوياً، كما يلعب ذلك الصرح العظيم دوراً مهماً فيما يتعلق بالتراث ودراسته، فالمكتبة كذلك، تقوم بتنظيم الحملات والمهرجانات والفعاليات والأنشطة الثقافية التي تُشجّع القراءة وثقافة الاطلاع وإثراء المعرفة محلياً وعربياً وعالمياً، وتطوير شبكة تعاون إقليمية وعالمية في مجال نشر المعرفة، وتثقيف المجتمعات، والمساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي الوطني وتوثيقه وتوفير سُبُل الاطلاع عليه، وتضم مركزاً خاصاً لترميم المخطوطات التاريخية، ومكتبة خاصة بمقتنيات آل مكتوم، ومعارض أدبية وفنية طوال العام، لتكون نواة للإبداع والمعرفة، وملتقى للمهتمين بالثقافة والعلوم، ومتحفاً للتراث وتاريخ الحضارة الإنسانية، حيث إن ذلك الصرح المعرفي الكبير يختزل تاريخاً عريقاً من الثقافات والحضارات، ويشكّل منارة ثقافية متميزة تتداخل فيها الحركة التعليمية والثقافية والسياحية، حيث تجسَد المكتبة واجهة دبي الثقافية والمعرفية والفكرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt2xhw2h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"