عادي
موادها مجحفة تخالف اللوائح وإجبارية على الجميع

مدارس خاصة «تبتدع» لكوادرها عقود عمل داخلية «غير عادلة»

00:03 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

المدارس الخاصة أحد أهم الأعمدة التي تستند إليها منظومة التعليم في مسيرة تميزها ونجاحاتها، وتعدّ ركيزة أساسية في بناء الأجيال وإعدادهم للمستقبل، لدورها الفعال والمؤثر في الميدان، ولكن من آن إلى آخر، تخرج علينا بعض المدارس الخاصة بقرارات من دون سابق إنذار، تؤثر سلباً في استقرار العملية التعلمية لاسيما الخاصة بكوادرها سواء التدريسية أو الإدارية.

العقود الداخلية في بعض المدارس الخاصة، أحد أهم المظاهر الشائعة في مجتمع التعليم الخاص، إذ لم تكتفِ بعقود العمل التي تعتمدها الجهات المعنية بتنظيم علاقة العمل بين المؤسسات والأفراد، وذهبت تستحدث عقوداً داخلية لكوادرها مجحفة البنود، وعدم شرعية محتواها الذي لا يمتّ إلى القانون بصلة، والجميع مجبرون على توقيعها.

في وقت أكد عدد من المعلمين، أن تلك العقود شائعة في المدارس الخاصة وتفرض على الكوادر قيوداً بعيدة عن أعين الجهات المعنية والرقابية، إذ تخالف اللوائح والقوانين تارة، وتخرج عن إطار الالتزام وعدم المسؤولية تارة أخرى، ووجودها يضيع الحقوق سواء في الرواتب أو الإجازات أو امتيازات المعلمين.

أكد عدد من الإداريين والفنيين، أن الكوادر في المدارس الخاصة محكومة بقانونين: «الموارد البشرية والتعليم الخاص» ويطبقان بحسب أهواء كل مدرسة، إذ منحتها الجهات المعنية صلاحيات تمكّنها من التلاعب في إجازات الكوادر بأنواعها، وفرض إقرارات وتعهدات غير إنسانية، إذ لا يجوز للمعلمة أو الإدارية حق الحمل والولادة، ولا يحقّ لمن يغادر العمل في أي مدرسة أخرى قبل 5 سنوات على الأقل من تاريخ المغادرة.

في المقابل تحفظ مديرو مدارس خاصة عن تقديم مبررات، لوجود تلك العقود وما تضمّه من بنود مجحفة لا تمتّ للوائح بصلة، واكتفوا بوصفها أنها «شأن داخلي»، فيما نفت شريحة أخرى من مديري المدارس وجود ما يعرف بالعقود الداخلية، موضحة أنه لا يوجد إلا عقد عمل واحد تعتمده وزارة الموارد البشرية والتوطين، والتكليفات الداخلية تأتي وفق قرارات منفصلة لا تمسّ حقوق الكوادر بأنواعها.

«الخليج» تناقش ظاهرة العقود الداخلية في بعض المدارس الخاصة، للوقوف على أسباب ومبررات وجودها، وبحث أفضل السبل للقضاء عليها أو عملها تحت غطاء مشروع يوائم محتواها مع اللوائح والقوانين المعمول بها، لتحقيق الاستقرار لمختلف الكوادر في الميدان.

العقد الخفيّ

البداية كانت مع عدد من المعلمين «حسن. ع، وسامح. ش، وميسرة. م، وصابرين.ح، ومرام. ر»، الذين أكدوا أن هناك عقدين للكوادر التدريسية في بعض المدارس الخاصة، الأول تعتمده وزارة الموارد البشرية والتوطين، ومن حق المعلم الحصول على نسخة منه ودائماً معلن للجهات الرقابية، والثاني داخلي «خفي» بين المدرسة والمعلم، إذ لا يحق للمعلم الحصول على نسخة منه، بل التوقيع عليه والالتزام بما فيه فقط، حيث تحمي المدرسة نفسها بالاحتفاظ بنسختي العقد، في إجراء احترازي يفوّت على المعلم فرصة الاستفسار أو الشكوى إلى الجهات المعنية.

وأفادوا بأن العقد الداخلي إجباري لجميع الكوادر، ويضم موادّ غير قانونية ومجحفة، تسمح للمدرسة بفسخ العقد في أي وقت، واستغلال المعلمين في مهام أخرى غير التدريس من دون مقابل مادي، وهناك مواد تفرض على المعلم الدوام أكثر من الساعات الرسمية، وأخرى تحرمه من إجازاته الأسبوعية أو الفصلية، وبعض الإدارات تفرض على المعلمين مهام استقطاب طلبة جدد للمدرسة، وإجبارهم على البيع في المقاصف المدرسية، فضلاً عن أن بعضهم يجبر على توقيع استقالته وتسلّم حقوقه عند توقيع عقد العمل، وفقاً لما جاء في العقد الداخلي الذي يخالف القانون.

الحكم الفصل

وأكدوا أن معظم المدارس لا تطبق ما جاء في عقد العمل الصادر من وزارة الموارد البشرية والتوطين، وتعدّ العقود الداخلية الحكم الفصل بين المعلم والمدرسة، إذ تعمل وفق أهواء كل مدرسة وقوانينها الخاصة، ليهدر حق المعلم في «الإجازات، وساعات العمل الإضافية، والتلاعب في الرواتب.

وفي وقفة مع عدد من المعلمات أكدت «سها. ب، وخولة. خ، وميادة.ح»، أن العقود الداخلية التي تبتكرها بعض إدارات المدارس مجحفة وتضيع معها الحقوق وتفرض قيوداً لا يليق وجودها في مجتمع التعليم، إذ أجبرتهنّ إدارات مدارسهنّ عند التعيين، على توقيع تعهدات داخلية مرفقة مع العقد «الخفي»، بعدم الحمل خلال التعاقد، ومن تخالف ذلك، عليها تقديم استقالتها من دون المطالبة بأية مستحقات، أو ستتخذ المدرسة اللازم وتنهي خدماتها. مشيرات إلى أن هناك لجنة متخصّصة، تركز مهامها على التحقق من حمل المعلمة أو الإدارية، في حال وصلت للإدارة أية معلومات عن هذا الحمل.

وقالوا إن القانون منح لمعلمات «الخاصة» حق الحصول على إجازة أمومة، حيث تعطى النساء بمجرد الولادة 45 يوماً إجازة أمومة بأجر كامل، إذا أنهت سنة واحدة من الخدمة في وظيفتها الحالية، و45 يوماً إجازة أمومة بنصف أجر إذا عملت لمدة تقل عن سنة، وتشتمل إجازة الأمومة على الوقت المستقطع قبل وبعد الولادة.

البحث عن إجابة

عدد من الكوادر الإدارية والفنية (فضلوا عدم ذكر أسمائهم)، أفادوا بأن العقود الداخلية للإداريين «حدّث ولا حرج»، حرمان من الإجازات الفصلية، التلاعب في عدد ساعات الدوام الرسمي، إسناد مهام لا علاقة لهم بالوصف الوظيفي ومحتوياته، فضلاً عن تطبيق عليهم سياسة الاحتكار، أما العمل في المدرسة أو حرمانهم من العمل في أي مدرسة أخرى عند ترك المدرسة، موضحين أن بعض المدارس وضعت هذه المادة مشروطة بعدد من السنوات (عامين أو ثلاثة أو خمسة) بحيث لا يحق لأي كادر بالعمل في أي مدرسة أخرى في الدولة، إلا في أعقاب المدة المحددة.

وأكدوا ضرورة استحداث نظام «العقد الموحّد»، ومنع العقود الداخلية التي تبتكرها المدارس، وفي حال الحاجة إلى إضافة مواد جديدة، يتم ذلك برضا الطرفين، بموافقة الجهات المعنية ووزارة الموارد البشرية والتوطين، وفق المعمول به من قوانين، مع مراعاة ألا تنال المدرسة تراخيصها إلّا ببراءة ذمة من الوزارة، تفيد التزامها وتقيدها باللوائح والقوانين.

وطالبوا بتدخل الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص، لوقف معاناة الكوادر والتجاوزات غير المقبولة في بعض المدارس الخاصة التي لا تتّبع اللوائح، موضحين أنه لا يجوز أن تخترع المدارس عقوداً بحسب أهوائها، لاسيما أن هناك قوانين ولوائح تحكم عمل الجميع وعلى الجميع الالتزام بتطبيقها، وإن كانت هذه المدارس على حق، فلماذا تخفي العقود الداخلية ولا تسمح لأي كادر بالاحتفاظ بنسخته؟

مواجهة الإدارات

«الخليج» تواجه عدداً من إدارات مدارس خاصة بما رصدته من آراء في الميدان، إذ رفض الفريق الأول الذي «فضل عدم ذكر الأسماء» الإجابة عن تساؤلاتنا عن مدى صحة وجديّة العقود الداخلية، وتحفظوا عن إبداء أي أسباب أو مبررات لوجودها، واكتفوا بوصفها ب«الشأن الداخلي»، وجميع الكوادر توقع عليها بكامل إرادتها ومن دون إجبار، موضحين أن لكل مدرسة سياستها الداخلية التي تخرج في صورة قرارات أو اتفاقيات ضمنية، ورفضوا الإجابة عن مدى مشروعية هذه العقود، أو حصولهم على موافقة من الجهات المعنية على موادها.

ولكن في محطة جديدة مع فريق آخر من مديري مدارس، كان الأمر مختلفاً تماماً، إذ نفى وليد فؤاد لافي، وخلود فهمي، ونعيمة علي، وجود مثل هذه العقود في مدارسهم، موضحين أنه لا يوجد إلّا عقد واحد فقط للعمل وهو الذي تعتمده الجهات المعنية، ولا توجد لديهم أي تعهدات أو إقرارات أو عقود داخلية تفرض قيود على الكوادر.

صورة تكليفات

وأفادوا بأن القرارات الداخلية تأتي في صورة تكليفات بحسب تخصص كل كادر، وغالباً ما تكون وقتية تم توجيهها لأغراض تنظيمية تختص بسير العمل، ولا تتطرق إلى حقوق أي كادر سواء كان مادياً أو معنوياً أو أحقيته في إجازة أو راتب أو حافز.

وفي تعقيبهم على بعض الممارسات الخاصة بالعقود الداخلية، قالوا إنها لا تخرق القانون فحسب، بل تعدّ خرقاً للقيم وأخلاقيات المهن التعليمية والإنسانية، مؤكدين أن كوادرهم يحصلون على جميع حقوقهم كما نصّ عليها القانون، لأن المدرسة أسرة تربوية متكاملة تجمعها مسؤوليات العمل والقيم الإنسانية أيضاً.

توحيد الجهود

«الخليج» حصلت على نسخة من العقد الداخلي لإحدى المدارس الخاصة، الذي أكد ما ورد في آراء جميع الكوادر المذكورة آنفاً، التي تعمل وفق قانونين، الأول «قانون التعليم الخاص»، وتسري عليها بعض المواد ويحظر عنها بعضها الآخر، بحسب أمزجة إدارات المدارس، أما العقد الثاني فهو عقد وزارة الموارد البشرية والتوطين «عقد التوظيف»، وتعاملت معه إدارات المدارس باستحداث عقد داخلي يقابله، وأجبرت الكوادر على توقيعه والالتزام بمواده ومحتوياته.

خبراء أكدوا أن هناك ضرورة لتوحيد الجهود بين الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص في الدولة، ووزارة الموارد البشرية والتوطين، لإيجاد إطار موحد يضم معايير وأسساً موحدة لتعيين الكوادر، والمحافظة على حقوقهم المادية والإجازات وغيرها، وتحديد سبل إنهاء خدماتهم بطرائق تضمن لهم الاستقرار الأسري والوظيفي، فضلاً عن تفعيل دور الجهات المسؤولة عن منظومة التعليم الخاص، عبر موقف فاعل تجاه تجاوزات بعض إدارات المدارس التي تتكرر سنوياً.

اتفاق مسبق

الجهات المعنية أكدت أن علاقات العمل بين الكوادر التعليمي والفنيين والإداريين والمدارس الخاصة، تنظمها وزارة الموارد البشرية والتوطين، ولا شأن لها بتلك الأمور، إذ تخضع لاتفاق مسبق بين طرفي العلاقة (المدرسة والكوادر)، وتبقى وزارة الموارد البشرية والتوطين، الجهة الأكثر حرصاً على حقوق العاملين في الدولة، إذ وفرت قنوات للتوصل واستقبال الشكاوى، وعلى المتضررين اللجوء إليها بشكوى رسمية في حال مخالفة المدرسة، لتتمكن من التعامل مع التجاوزات، وحماية حقوق الجميع.

الأكثر حظاً

تعدّ الكوادر في المدارس الحكومية أكثر حظاً ممّن يعملون في مدارس القطاع الخاص، لقدرتهم على الحصول على الحقوق كافة، كما جاءت في مضمون القانون، لتبقى بعض المدارس الخاصة التي تبدع في التنصّل من مسؤوليتها تجاه كوادرها، وتبتكر في استحداث عقود إجبارية داخلية للتهرب من الوفاء بمستحقاتهم.

شيكات وتعهدات

لجأت بعض المدارس إلى إجبار كوادرها على توقيع شيكات وتعهدات، فضلاً عن العقود الداخلية، وسيلةً لضمان استرداد فرق الراتب، الذي يعد كلفة الإقامة حيث تلزم تلك المدارس كوادرها بسداد مستحقات الإقامة، وتستقطعها منهم في صورة «سُلف»، بقيمة فرق الرواتب، ووزعت هذه السلف على شكل اقتطاعات شهرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytnnkzkv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"