الشاشة تُقصي لوحة المفاتيح

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لعلنا نتذكر السجال الذي دار حين تعيّن على الناس أن تنتقل من الكتابة بالقلم والورقة إلى الكتابة بلوحة المفاتيح على الحواسيب، وهو أمر لم يقتصر على الأجيال الجديدة التي ولدت ونشأت في الظرف الذي أصبحت الكتابة على الحاسوب هي الغالبة، وإنما شمل المخضرمين ممن لا عهد سابقاً لهم بذلك، ولا يملكون المهارة الضرورية للانتقال إلى التقنية الجديدة، وما زلنا نذكر أن الكثير من الأدباء والكتّاب الذين اعتادوا كتابة مقالاتهم أو كتبهم بالقلم على الورقة، ولتبرير رهبتهم من ولوج عالم جديد عليهم، صاروا يتحدثون عما وصفوه بـ«الطقس الحميم» للكتابة على الورقة، الذي لا يحبّون مغادرته. شأن أي اكتشاف جديد يحدث مثل هذا المنعطف، الناشئ عن قوة العادة المرتبطة بطقوس ألفناها، وصعوبة التخلي عنها، فرغم العمر الطويل الذي انقضى منذ اكتشاف الكهرباء، ما زلنا نقرأ شعراً، وأدباً، فائضاً بالحنين إلى طقس الشموع الذي أقصته أنوار الكهرباء، وما زالت الشموع حاضرة في حياتنا، بصورة أو بأخرى.
ونعلم أنه في العديد من البلدان العربية التي تعاني الانقطاع المتكرر للكهرباء وبالساعات كل يوم، قد يجد أهلها حلاً في الشموع ومصابيح الكيروسين، في الليالي الطويلة المظلمة، ولكن ذلك يحدث من باب الاضطرار لا الاختيار.
عودة إلى الكتابة على الحاسوب، نقول إننا بصدد تحوّل جديد، قد يسود في المستقبل، وقد بدأ بالفعل، وهو أن الناس قد تكفّ عن الكتابة على لوحة المفاتيح، لتتحول كلية، إلى الكتابة على الشاشة، كما نفعل حالياً مع الرسائل التي نبعثها على تطبيق «واتس آب» وسواه من التطبيقات، وأننا سنصبح نكتب على هواتفنا الذكية بالسرعة نفسها التي نكتب بها على لوحة المفاتيح، ويورد تقرير بهذا الخصوص أن شخصاً تمكن من كتابة 85 كلمة في دقيقة واحدة، وعلى الرغم من الأخطاء، «إلا أنها نتيجة مذهلة، مقارنة مع متوسط عدد الكلمات على لوحة المفاتيح التقليدية والذي يبلغ 52 كلمة في الدقيقة».
ومع أن الذين يستخدمون إصبعاً واحداً في الكتابة على الهاتف، أبطأ مقارنة بالأشخاص الذين يكتبون بإصبعي الإبهام، لكن التجربة تؤكد أن قضاء المزيد من الوقت على الهواتف يفسر جزئياً سبب زيادة سرعة الكتابة عليها، وفي الغالب سيتم تحسين الأجهزة المحمولة بالحيل التقنية التي تسمح لكتابة أسرع، مثل التصحيح التلقائي والتنبؤ بالكلمات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/483vz6e2

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"