خواطر في التغيير الهدمي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل نحن نخاف تراثنا؟ لماذا نتجنب نقد ميراثنا، كما لو كان ملكاً لغيرنا؟ المفارقة الغريبة هي أن للعالم العربي مكتبة ضخمة مترامية الأطراف في شتى ألوان غربلة الموروث ونقده وتحليله. لكن، هل يعلم أحد لماذا لم يكن لها أيّ تأثير تغييري إيجابي إلى الأفضل قديماً وحديثاً؟ أرجوك، لا تتطرف إلى حد الحكم على تراثنا بأنه بمثابة نظام سياسي قمعي. قديماً كان على من يأتي بأشياء «غير مستحبّة»، أن يكون مثل خلية تعمل تحت الأرض، في الخفاء، شأن «إخوان الصفاء»، أو أن يظهر للعلن وهو يشدو: «في كفّي قطبة زيتون.. وعلى كتفي نعشي». أمّا منذ النصف الثاني من القرن العشرين، فقد تنفس القوم الصعداء، صار في إمكانهم النشر خارج العالم العربي، فهناك: «يا نسمة الحرية».
الغرب يتحلى بمنظومة نفاق، يُظهر نفسه كفردوس للحريات، فهو الملاذ لكل من يضيق بأفكاره العالم الثالث. عقول العرب والمسلمين تلجأ إلى أحضان المؤسسات الأكاديمية الغربية تحاضر في جامعاتها وتصدر الكتب بالإنجليزية والفرنسية، ثم تترجم الأعمال إلى العربية إن وجدت للتوزيع مكاناً، ولو من تحت الطاولة في معارض الكتب. الطريف أنهم يحاضرون ويؤلفون في قضايانا والشؤون التي تخص التراث العربي الإسلامي في الصميم. أليست جامعاتنا أولى بها؟ الأشجار بجذورها وجذوعها وأغصانها وأوراقها ملكنا، ولكن الثمار لهم.
تقول أين النفاق؟ لقد ظلوا في ديار العرب عشرات السنين، أكثر من قرن أحياناً، ضيوفاً بسيف الإسكندر، وسيف داموكليس المسلط على الرؤوس، بذريعة التحرير ونشر الديمقراطية وحريات الفكر والرأي والتعبير. في آخر المأساة حصاد الهشيم، بعد النار في الهشيم، هجرة العقول إلى حيث البحث العلمي، وفرار المفكرين ليحاضروا في جامعات الغرب، في قضايا نقد تراثنا وتنخيل ميراثنا ترك «الضيوف» البلدان العربية ودول العالم الثالث، والأمية مستفحلة، والتنمية صفر، ومجموعة أصفار أخرى يتفضل القارئ بوضعها حيث يشاء. إفريقيا نموذج أطرف، فحين رأى الفيل والحمار التغيير البنّاء الذي أحدثه التنين في القارة السمراء، خصص 15 مليار دولار لتنمية خمسين دولة إفريقية، أمّا أوكرانيا فلم تنل غير قرص مسكّن قدره مئة مليار دولار في وقت قياسي. شاءت ظروف المجتمع الدولي أن يكون التغيير الهدمي من نصيب بلدان عربية كالعراق، ليبيا، سوريا.
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: التغيير الهدمي انتقى المخططون عناصره وأدواته من بيئة تراثنا. نحن نخاف نقد ميراثنا، فلم نسبقهم إلى علاج علله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymrjjtbw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"