«طالبان» وإقصاء النساء

افتتاحية
00:05 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تثير قرارات حركة «طالبان» الأفغانية بحظر عمل النساء في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية وحرمانهن من التعليم الجامعي زوبعة لا تتوقف من ردود الفعل، رفضاً لهذه الإجراءات التي لا تحترم أبسط حقوق الإنسان، وتتعارض مع القيم الإنسانية والإسلامية والأعراف الاجتماعية، ولها تداعيات خطيرة على هذا البلد الذي يواجه تحديات كبرى وتهديدات لا تحصى.

هذه الإجراءات غير المبررة مثلت صدمة حضارية، وأثارت الفزع من احتمال أن تكون مقدمة لانتهاكات للقانون الإنساني الدولي والمبادئ الإنسانية، وسياسة ترمي إلى محو أي دور للنساء والفتيات في المجتمع الأفغاني. وتفادياً لهذا السيناريو المرعب، تتوالى النداءات إلى الحركة المسيطرة على كابول من أجل التراجع فوراً عن هذه الإجراءات والسماح لنصف المجتمع بأن يمارس حقه في الحياة والعمل والتنمية والتعليم. ومن هذا المنطلق دانت دولة الإمارات إجراءات «طالبان» بحق النساء والفتيات، وحذرت من أن هذا التصرف سيفاقم المعاناة الإنسانية ويعطل جهود إغاثة ملايين الأفغان الذين تتهددهم المجاعة والأوبئة والأمراض، وجوائح المناخ ومخلفات الحروب الطويلة.

موقف الإمارات من إجراءات «طالبان» يتأسس على نهج راسخ يدافع عن حقوق النساء وتمكينهن في المجتمع وأهمية مشاركتهن بشكلٍ كاملٍ ومتساوٍ في جميع جوانب الحياة. كما يصدر هذا الموقف من مسؤولية الإمارات مع الشركاء الإقليميين والدوليين في دعم أفغانستان والالتزام بضمان سيادتها واستقرارها، من خلال المشاركة البناءة في اجتماعات مجلس الأمن، وضمن المبادرات الرامية إلى معالجة الأزمات على الصعيدين الاقتصادي والإنساني.

ما تتعرض له النساء في أفغانستان يمثل انتكاسة في الطريق إلى التعافي المأمول، فلا يمكن لكل مناحي الحياة أن تعمل من دون مشاركة السيدات والفتيات، وخصوصاً لدى المنظمات المحلية والدولية الناشطة في مجالات الصحة والتربية والإغاثة، وأغلب المستهدفين من النساء والأطفال والمسنين، وهذه الفئات الاجتماعية تتطلب معاملات خاصة تنهض بها النساء حصراً في كنف احترام الخصوصيات والأعراف. أما شطب أي دور للمرأة في هذه المهات الإنسانية، فهو حكم جائر لن يساعد أبداً على تجاوز الأوضاع المتدهورة، ولن يبني مستقبلاً مزدهراً للشعب الأفغاني الذي تعصف به النكبات منذ نحو نصف قرن. والقرار الصائب في هذا الظرف، أن تتراجع حركة «طالبان» فوراً عن كل إجراءاتها القسرية، وأن تسمح للنساء بلعب دورهن الكامل أسوة بأشقائهن الرجال، ودون أن يحمل ذلك أي نوع من أنواع التدخل في الشأن الداخلي، لأن ما هو مطروح يمثل قضية إنسانية صرفة لا يجوز السكوت عنها أو تجاهلها مهما كانت الأسباب والذرائع.

المجتمعات لا تعرف النهضة أو الاستقرار من دون مشاركة فاعلة من النساء، فالمرأة دائماً هي المدرسة الأولى وحاضنة الأجيال وأم المجتمعات، ومن أجل ذلك كرمها الإسلام الحنيف وحفظ حقوقها ودعا إلى الالتزام بذلك فرضاً وسلوكاً. والعالم اليوم، ومن ضمنه أفغانستان، لا يملك ترف الاستغناء عن أي جهد إنساني يسمح بتغيير الواقع، ويحقق الأمن بمفهومه المتعدد. المرأة هي المؤتمنة على مستقبل الأوطان، وإقصاؤها عن دورها الطبيعي، أشبه بحكم الإعدام على المجتمع كله، وهذا ما يجب أن تعرفه «طالبان» وتتراجع عنه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck46j6v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"