عادي
فوضى وعدم استقرار ومخاوف من تسارع وتيرة الانهيار

لبنان يدخل 2023 بشغور رئاسي وحكومة عرجاء

00:27 صباحا
قراءة 7 دقائق

سلكت الأزمة اللبنانية منعطفاً خطراً مع دخول البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو الشغور الثالث منذ عام 2007، لكنه الأول من حيث اقترانه بعدم وجود حكومة أصيلة تتولى مجتمعة صلاحيات الرئيس بموجب الدستور، والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال «عرجاء»، بسبب الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد، وفي ظل عدم قدرة الكتل البرلمانية على توفير أكثرية لحسم عملية انتخاب الرئيس بسبب افتقارها منفردة، إلى القدرة على تأمين النصاب اللازم في ظل التوازنات التي أفرزتها نتائج الإنتخابات التشريعية في مايو/ أيار الماضي، وبسبب التقاطعات الإقليمية والدولية التي غالباً ما تلعب دوراً حاسماً في اختيار رئيس للبلاد، الأمر الذي يجلب الكثير من المخاوف، إذا ما طالت فترة الشغور الرئاسي، من ذهاب البلاد إلى الفوضى وعدم الاستقرار، ويبقي الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات.

الصورة

توازنات جديدة

فبعد انتخابات مايو البرلمانية، التي حملت توازنات جديدة أفقدت الكتل المنضوية في إطار تحالف الموالاة قدرتها على الاستئثار بفرض مرشحها الرئاسي، وبعد إجراء استشارات نيابية ملزمة، وفق الدستور، تمخضت عن إعادة تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة، سرعان ما اندلع الخلاف حول الحصص والمعايير وتقاسم الحقائب الوزارية وأسماء الوزراء، ليتحول الأمر إلى سجال داخلي، حال دون تشكيل حكومة جديدة، واستمر حتى نهاية ولاية الرئيس عون، ولا يزال مستمراً حتى الآن. وبعدما دخل الملف الحكومي نفق التعطيل باتت الأنظار مركزة على الاستحقاق الرئاسي حتى اللحظات الأخيرة من ولاية عون التي هيمن عليها الدخول في فراغ رئاسي إلى أجل غير مسمى. ومع أن هذا الاستحقاق يمثل استحقاقاً وطنياً يهم كل اللبنانيين الذين كانوا يعولون على رئيس جديد من صناعة لبنانية، إلا أنه يهم الطائفة المارونية بالدرجة الأولى، باعتبار أن المرشح لهذا المنصب يجب أن يكون مارونياً حصراً، بحكم الدستور، لكنه أصبح ضحية الخلافات العميقة داخل المكونات الأساسية المؤثرة للطائفة، وهي «التيار الوطني الحر» وهو تيار الرئيس عون الذي يتزعمه جبران باسيل، و«القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع، و«تيار المردة» بزعامة سليمان فرنجية، علاوة على البطريركية المارونية التي غالباً ما تلعب دوراً حاسماً في اختيار المرشح الرئاسي.

الصورة

إخفاق البرلمان

على هذه الخلفية، وبموازاة الانقسامات بين الكتل البرلمانية، وحتى الخلافات داخل تحالفات فريقي الموالاة والمعارضة، فشل البرلمان اللبناني بعد 10 جلسات انتخابية في اختيار رئيس جديد خلفاً لميشال عون. وكانت هذه الجلسات شهدت عزوفاً متعمداً عن الترشح باستثناء ترشيح ميشال معوض من جانب «القوات اللبنانية»، بدعم من بعض الأحزاب المحلية، إلا أنه لم يتمكن من الحصول لا على أغلبية الثلثين ولا على الأغلبية المطلقة خلال الجولة الأولى من التصويت، بينما كانت الجولة الثانية تنفض قبل أن تبدأ بسبب افقادها المتعمد للنصاب القانوني. وفي كل هذه الجلسات كان يوجه ترشيح معوض ب«الورقة البيضاء» من قبل الجهات الرافضة له، غير أن صراعاً حاداً كان يدور، تارة في الخفاء وأخرى في العلن، حول ترشيح سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي «حزب الله وحركة أمل» مع «التيار الوطني الحر»، حيث كان جبران باسيل الطامح لخلافة صهره الرئيس عون في تولي الرئاسة، ويرفض رفضاً قاطعاً ترشيح فرنجية، ما أدى إلى نشوب خلاف حاد مع حليفه «حزب الله» وأوصل الأمور إلى ما هي عليه الآن.

الصورة

إحباط الحوار

الأمر اللافت هنا، أن الخصمين اللدودين «التيار الحر» و«القوات» تحالفا بشكل غير مباشر في إسقاط دعوات الحوار التي بادر اليها رئيس مجلس النواب للوصول إلى توافق وطني حول مرشح للرئاسة، كل لأسبابه، بطبيعة الحال، فبينما كان «التيار» يشترط عدم طرح اسم فرنجية لقبول الحوار، كانت «القوات» تطالب بعقد جلسات انتخابية متواصلة حتى يتم انتخاب رئيس جديد. وهناك من لا يزال يعول على التوافق الخارجي، الإقليمي والدولي، لفرض كلمته في هذا المجال، كما كان يحدث في المرات السابقة.

الصورة

فرص قائد الجيش

وسط هذا المشهد الذي تحكمه الكيدية السياسية بالدرجة الأولى، بدأت بالظهور مؤشرات جديدة تدل على تزايد فرص قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي بات اسمه مطروحاً بجدية لتأمين الإجماع السياسي المطلوب، شريطة إجراء تعديل دستوري يسمح لقائد الجيش، أثناء توليه مهام منصبه، بالترشح لرئاسة الجمهورية، على غرار ما حدث في مناسبتين سابقتين: وهما انتخاب العماد إميل لحود الذي تولى سدة الرئاسة بين عامي 1998 و2007. وانتخاب العماد ميشال سليمان الذي تولى سدة الرئاسة بين عامي 2008 و2014. ويرى كثير من المحللين أن قائد الجيش غالباً ما يكون علاجاً تقليدياً لملء الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية.

بانتظار التسوية السياسية

الجَلي في المشهد الرئاسي، أنّ كل القوى المسيحية، والمارونية تحديداً، تعتبر نفسها الناخب الأول والأقوى، وكلّ منها تفصّل «الرئيس» بحسب مواصفاتها، التي تتوازى ولا تلتقي مع مواصفات الآخرين، بل مصادمة لمواصفات الآخرين. فأمام هذه الخلطة السياسية المتصادمة، ومع حجم الخلافات القائمة بين أطرافها، وتشكيكهم في بعضهم بعضاً، وعدم ثقتهم ببعضهم بعضاً، فإن الجميع بات يراهن على التسوية الخارجية، رغم اهتمام الأطراف الخارجية بالأولويات والتطوارات الجارية في الساحة العالمية.

وفي لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية، غالباً ما يحتاج تكليف رئيس حكومة، أو تشكيلها، أو حتى انتخاب رئيس للبلاد أشهراً. ففي عام 2016، وبعد أكثر من عامين من شغور في سدة الرئاسة، انتخب عون رئيساً بعد 46 جلسة في البرلمان بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء. ومع أنّ عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان، لكن الفراغ الرئاسي هذه المرة يأتي في ظل انهيار اقتصادي متسارع صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، ومع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، خصوصاً تنفيذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لدعم لبنان.

الاقتصاد ينهار في غياب الإصلاحات الشاملة

يجمع الخبراء والمختصون على أن الاقتصاد اللبناني يواجه المزيد من الانهيار، في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد، وهو مستمر في الانكماش لكن بوتيرة أبطأ وفق البنك الدولي، الذي أشار إلى أن الانهيار المتواصل للاقتصاد اللبناني لا يزال يضعه بين العشرة الأوائل لأسوأ الاقتصادات على مستوى العالم. ويرى هؤلاء أن طريق الخروج من الأزمة يحتّم إجراء إصلاحات شاملة، وتنفيذ خطة التعافي التي أقرتها الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

ويُحمّل هؤلاء الخبراء النخب السياسية التي استولت على الدولة منذ فترة طويلة وعاشت على ريعها الاقتصادي مسؤولية التسبّب في الكساد الاقتصادي بشكل متعمد. وتوقع البنك الدولي، أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الذي يقيس القيمة الإجمالية لاقتصاد البلاد، انكماشاً في لبنان بنسبة 5.4 في المئة في 2022، وسط شلل سياسي وتأخيرات في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي. وكان البنك الدولي قد عدل تقديره لانكماش الاقتصاد اللبناني في عام 2021 إلى 7 في المئة، من تقدير سابق بلغ 10.4 في المئة، بينما بقي تقديره لانكماش عام 2020 كما هو عند 21.4 في المئة. وبينما يقول رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إن البلاد لا يزال بمقدورها أن تبرم اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على برنامج مساعدات قيمته ثلاثة مليارات دولار عبر البرلمان، يشدد البنك الدولي على أن التوصل لمثل هذا الاتفاق لا يبدو مرجحاً، على الرغم من توصل بيروت لاتفاق على مستوى الخبراء مع الصندوق. ويضيف البنك الدولي أن «التوصل لبرنامج مع صندوق النقد الدولي يظل بعيد المنال، بسبب البرلمان المنقسم، والفراغ الحكومي والرئاسي، ما يضفي مزيداً من الشك في القدرة على استكمال الخطوات السابقة، والتوصل لاتفاق نهائي مع الصندوق في الأشهر القليلة المقبلة». ويُظهر تقرير أصدره البنك الدولي مطلع عام 2022 أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبنان قد انخفض بنسبة 58% في عامين، وكان التضخم عند 145% العام الماضي، ثالث أعلى معدل في العالم، وانخفضت الإيرادات الحكومية إلى النصف، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 183% في الدولة، ليصبح رابع أعلى مستوى في العالم. ويؤكد البنك الدولي أن حجم ونطاق الكساد المتعمّد يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسية لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية.

الترسيم البحري مع إسرائيل «إنجاز تقني»

في الربع الأخير من 2022، وقع لبنان وإسرائيل على الاتفاق النهائي لترسيم الحدود البحرية بينهما، بعد مفاوضات مضنية استمرت لأشهر، وتمت بوساطة أمريكية. ووقع كل من الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد آنذاك رسالتين منفصلتين للموافقة على نص الاتفاق. وفي مقر الأمم المتحدة في جنوب لبنان، جرى تسليم الرسائل إلى الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين دون أن يرافق ذلك أي مراسم مشتركة.

وسلم الطرفان الإحداثيات الجغرافية المتفق عليها إلى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، التي أودعتها بدورها لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في 2011. وأتاح الاتفاق لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان متنازعاً عليها، فيما يأمل لبنان الغارق في انهيار اقتصادي، ببدء التنقيب قريباً. وبينما شدّد عون على أن «إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول»، اعتبر رئيس الحكومة يائير لابيد، حينها، أن الاتفاقية تمثل «إنجازاً سياسياً، مدعياً أنها تمثل اعترافاً لبنانياً بإسرائيل. وكانت التطورات المرتبطة بملف الترسيم قد تسارعت في تلك الفترة بعد توقف لأشهر، جراء خلافات حول مساحة تلك المنطقة. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية، قدم هوكشتاين، بداية شهر أكتوبر الماضي عرضه الأخير، وأعلن الطرفان موافقتهما عليه.

وتعول بيروت على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ثلاث سنوات، وصنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850. واعتبر بعض المحللين أن الاتفاق يمثل«بداية جيدة»، من حيث توفير فرصة لانتعاش اقتصادي لبناني في خضم الأزمة التي تعانيها البلاد، حيث يمكن للبنان أن يجد بيئة أكثر استقرارا للمستثمرين الأجانب للحصول على الغاز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/454b3t2d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"