عادي
أحيَت كوابيس نزاع نووي وقوّضت «مكاسب السلام» للديمقراطيات الغربية

حرب أوكرانيا تتفاقم.. والعالم يرقص فوق بركان

00:43 صباحا
قراءة 8 دقائق
1
اقتراب خطوط القتال من محطة زابورجيا للطاقة يعزز المخاوف من نشوب حرب نووية (أ ف ب)
اخماد حريق بأحد محطات الطاقة في أوكرانيا(رويترز)
تبادل القصف المدفعي بعيد المدى على خطوط القتال في بخموت(أ ب)

مرت أكثر من عشرة أشهر على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، من دون أن يلوح في الأفق خط بنهايتها باتفاق سلام أو هدنة. وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عاشت القارة الأوروبية، على وجه التحديد، أوضاعاً استثنائية اتسمت باستشراء أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء. ومازالت تقف على شفا حرب نووية مدمرة بالنظر إلى التهديدات المتبادلة بين روسيا والقوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة. ومن أولى النتائج المباشرة لهذا الصراع، أن التركيبة الأمنية الدولية الدقيقة التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت بالانهيار لمصلحة نظام جديد بدأ بالتشكل، رغم المقاومة الشرسة التي يبديها الغرب، سواء بفرض أكثر من 17 ألف عقوبة على روسيا وبعض حلفائها، أو عن طريق مدّ أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة المتطورة للمساهمة في إلحاق هزيمة بالجيش الروسي، فيما يبدو بالمقابل، أن موسكو قد حسبت حسابها مبكراً لردود الفعل، وتجهزت لحرب طويلة، وليست قصيرة لساعات، كما اعتقدت الاستخبارات الأمريكية والغربية، يوم 24 فبراير/ شباط الماضي. ومن دون البحث عن مبررات وذرائع، فإن الحرب تظل دائماً أبشع سلوك إنساني، لأن وسائلها القتل والتدمير ونسف أسباب الحياة. وإذا كانت الخسائر المسجلة في أوكرانيا ثقيلة من جهة حصيلة الضحايا والمصابين واللاجئين، فإن تأثيرات هذه الحرب في العالم لا تقل فداحة، وبسببها انهارت اقتصادات دول، وفاقمت نقص الغذاء في بعض المناطق، التي تعاني أصلاً من ظاهرة التغير المناخي. ومن أجل ذلك لم تتوقف الدعوات إلى ضرورة إنهاء هذا الصراع بالطرق السلمية وعبر المفاوضات، لوقف إراقة الدماء وصون الأمن والسلم الدولييين، قبل فوات الأوان.

انقسام عمودي للعالم

من الأهداف الجوهرية التي حققتها الحرب في أوكرانيا أن العالم أصبح منقسماً عمودياً، ولم يعد متناغماً كالسابق، والأخطر من ذلك أن مفهوم الردع النووي بدأ يختفي من خريطة العلاقات الدولية. وإلى الآن، ليس هناك ما يمنع من أن ينزلق هذا النزاع إلى صراع أوسع، فالتهديدات باستخدام السلاح النووي والرد عليها، أو التحذير منها، لها موجبات أهمها أن فرضية اللجوء إليها قائمة. والأخطر من ذلك أنها خرقت اتفاقاً ضمنياً قائماً على ضبط النفس، وأفسدت مفهوم الردع. وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن مساعد الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، كاميل غراند، قوله في إشارة إلى روسيا «هذه هي المرة الأولى منذ بداية العصر النووي التي تستخدم فيها قوة نووية واقع امتلاكها لهذا السلاح وتشنّ حرباً تقليدية مستظلّة بالقوة النووية»، ولكن هذا المسؤول الغربي لم يخف انحيازه بعدم الإشارة إلى أن الدول الولايات المتحدة أيضاً شنت حروباً تقليدية استخدمت فيها أسلحة محرمة في فيتنام والعراق وأفغانسان، حيث استخدمت النابالم والقذائف المزودة باليورانيوم المنضب، فضلاً عن أن الولايات المتحدة هي أول من استخدم السلاح النووي في الحرب العالمية الأولى ضد اليابان.«المحرّمات النووية» مهددة

ولا يزال مفهوم «المحرّمات النووية» الأخلاقي والاستراتيجي بشأن عدم استخدام السلاح الذرّي والذي تبلور بعد القصف الأمريكي لهيروشيما وناغازاكي في عام 1945، قائماً، لكن الخطاب حوله ليس كذلك، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وبالنسبة إلى الديمقراطيات الغربية التي عاشت طويلاً على «مكاسب السلام»، كانت الصحوة قاسية، لدرجة أنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حذّر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من «كارثة» نووية محتملة، الأمر الذي يعكس الشعور السائد الآن بأنّ العالم يرقص على بركان. وقبل أوكرانيا بوقت طويل، بدأت التركيبة الاستراتيجية العالمية تتداعى، في أوروبا، وأيضاً في آسيا والشرق الأوسط.

وبحسب العديد من المراقبين، فإن هذا الوضع الدولي الخطر كان يتشكل منذ سنوات، ومنذ ما قبل 2014 تاريخ ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. وفي عام 2007، كتب توماس شيلينغ، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد والخبير الأمريكي في المسائل الاستراتيجية «الحدث الأكثر إثارة في نصف القرن الماضي هو حدث لم يحدث»، ملخّصاً بذلك هشاشة التوازن الذي كان العالم يستند إليه منذ هيروشيما وناغازاكي في عام 1945.

ويمثّل انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2002، والتي لطالما كانت حجر الزاوية في التوازن النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، بداية تفكّك معاهدات مراقبة، أو نزع السلاح الموقّعة بين الخصوم السابقين خلال الحرب الباردة. ومن بين هذه المعاهدات، معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الموقعة في عام 1987 والتي تلاشت في عام 2019 بعد الانسحاب الأمريكي، ثم الروسي منها. وفي عام 2022، لم تتردّد قنوات تلفزيونية روسية في استحضار احتمالات توجيه ضربة نووية، إلى باريس أو نيويورك، بينما أكد دبلوماسي روسي سابق أنّ بوتين «سيضغط على الزر» إذا اعتبر أن روسيا مهدّدة بالاختفاء.

موسكو مصممة على أهدافها

وتخوفاً من أسوأ السيناريوهات، تتزاحم القوى الكبرى للعب دور رئيسي في الأزمة الأوكرانية، عبر إيجاد حل دبلوماسي للحرب الروسية الأوكرانية هناك، لكن مثل هذه المحاولات تنطوي على مخاطر بأن تكون مجرد عروض جانبية، إلا في حال أظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اهتماماً حقيقياً بالتفاوض للتوصل إلى تسوية. ومع ذلك، فإن المحللين يعتبرون أنه حتى الآن يبدو بوتين مصمماً على المضي في عمليته العسكرية. وبناء على ذلك، هناك استبعاد أن تشهد الأزمة الأوكرانية حلاً دبلوماسياً قريباً، بالنظر إلى التباين الكبير في مواقف موسكو وكييف، بسبب تباين رؤيتيهما أولاً، وثانياً لتصميم القوى الغربية على ضرورة تحقيق أوكرانيا نصراً عسكرياً، مهما كان الثمن غالياً، لأن تلك القوى تعتبر انتصار روسيا سيعني انهياراً واسع النطاق لمنظومة الأمن الأوروبي. كما أن الهدف الأبعد يتعلق بالتحضير للتعايش مع شكل النظام العالمي الذي سيعقب انتهاء الأزمة الأوكرانية. وهناك مخاوف جدية في أوروبا من أن التداعيات المحتملة للصراع الأوكراني قد تؤدي إلى الحد من قدرة الولايات المتحدة على ممارسة قوتها الاقتصادية على بقية العالم، ولذلك بدأت المواقف تتوالى وتؤكد بوثوق، أن هذه الحرب قد طوت إلى غير رجعة نظرية القطب الأوحد في العالم.

كما أفرزت الكثير ‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول.

ومع مرور عشرة أشهر ودخول فصل الشتاء، بدأت التظاهرات الاحتجاجية في عواصم أوروبية عدة، لا سيما في برلين وبراغ، حيث خرجت تظاهرات في الأسابيع الأخيرة تتهم الحكومات بإيلاء اهتمام لأوكرانيا، أكثر من الاهتمام بمواطنيها. ووفق استطلاع حديث للرأي، فإن 68% من الفرنسيين أعربوا عن استعدادهم للتظاهر «ضد الحرب، من أجل السلام». وكل ذلك يؤكد أن المجتمعات الأوروبية لا تبدو مستعدة لتقبّل تداعيات الحرب مع استفادتها من تضخّم هو الأعلى منذ سنوات طويلة، وقلقها بشأن قدرتها على تدفئة نفسها هذا الشتاء بسبب اعتمادها على الغاز، اضافة الى انقسامها تحت تأثير المعلومات المضلّلة. وبالنظر إلى هذا الوضع يمكن أن تصبح الحكومات ميّالة إلى تخفيف دعمها لأوكرانيا، إن كان عبر دفع كييف باتجاه التفاوض، أو عبر خفض مساعداتها المالية أو العسكرية. ويقول إيمانويل دبوي رئيس مركز أبحاث «اي بي إس ايه» إنه «بين لحظة وأخرى ستظهر هشاشة مجتمعية، أو ستعاود الظهور كما حصل مع السترات الصفر في فرنسا، هذا سيشكل ضغطاً على الدول التي تعاني مشاكل في القيادة مثل فرنسا، حيث ليس هناك سوى أغلبية نسبية، وألمانيا حيث يواجه التحالف اهتزازات، وإسبانيا وبريطانيا». وفي كل الأحوال، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا بشرى غير سارة لأنصارها الغربيين الذين يواجهون أزمة اقتصادية طاحنة، وتداعيات غير منظورة في الوقت الراهن، ولكنها ستكون سيئة على كل الصعد، إذا لم يتم التوصل إلى سلام يرضي روسيا، ويحفظ بعضاً من حقوق أوكرانيا.

بعد 10 شهور.. الغرب يتبرم من اللاجئين الأوكرانيين

قبل أيام قليلة، كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن أوروبا سئمت من قبول اللاجئين من أوكرانيا وبدأت في إصدار تشريعات لمكافحة المهاجرين غير الشرعيين، والاستعداد لموجة جديدة هذا الشتاء.

وبحسب الصحيفة، «إن عدد اللاجئين من أوكرانيا ودول أخرى في القارة الأوروبية مثير للذهول.. من يناير إلى سبتمبر هذا العام، قدم الأوكرانيون 4.4 مليون طلب للحصول على الإقامة المؤقتة في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه من المفترض أن مئات الآلاف منهم قد عادوا بالفعل إلى ديارهم».

وأضاف مؤلفو المقال أن دولاً مثل إيطاليا، في ظل حكومة جيورجيا ميلوني الجديدة، تقود دعوات لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لإبعاد المهاجرين غير الشرعيين.

وتلفت الصحيفة إلى أنه في ألمانيا توجد اقتراحات لتوزيع اللاجئين في جميع دول أوروبا لحل هذه المشكلة.

وأشار مراقبون إلى أنه على الرغم من حقيقة أنه في الأشهر الأولى بعد بدء الصراع في أوكرانيا، رحب الأوروبيون بحرارة باللاجئين الأوكرانيين، إلا أنهم، وبعد عشرة شهور، باتوا أكثر برودة تجاههم بسبب زيادة التضخم والتخفيضات في ميزانيات الدول الأوروبية. فلم يعد العديد من البرامج الحكومية لدعم المهاجرين الأوكرانيين في مختلف دول القارة قادرة على التعامل مع أعدادهم الكبيرة، والتي تستمر في الزيادة خاصة في المدن الكبيرة.

وأكد رئيس المجلس النرويجي للاجئين إنه يتوقع تدفق موجة أخرى تضم مئات الآلاف من اللاجئين من أوكرانيا على أوروبا خلال فصل الشتاء، بسبب الظروف «غير الصالحة للعيش». وقال يان إيجلاند لرويترز عبر الهاتف، بعدما عاد من رحلة إلى أوكرانيا في وقت سابق هذا الشهر «لا أحد يعرف كم عددهم، لكن سيكون هناك مئات الآلاف الآخرين، لأن القصف المروع وغير القانوني للبنية التحتية المدنية يجعل الأوضاع غير صالحة للعيش في أماكن كثيرة». وأضاف «لذلك أخشى أن تتفاقم الأزمة في أوروبا، وذلك سيلقي بظلاله على الأزمات في أماكن أخرى من العالم»

عقوبات على موسكو بالآلاف.. ولا تغيير في الميدان

عشية دخول القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، استنفرت القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة كل قواها وبدأت مسلسلاً من العقوبات، فردية وجماعية، حتى وصلت إلى عدد لا يحصى، وتم في سبتمبر الماضي تقديم إحصائية غير دقيقة تتحدث عن 17 ألف عقوبة، ورغم كثافتها وقسوتها لم تحدث تغييراً في ساحة المعارك.

عندما فرضت هذه العقوبات على روسيا بدأت تُلقي بظلالها على قطاع الطاقة، وبينما سارعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة النفط والغاز الروسيين، كان وضع الاتحاد الأوروبي مختلفاً نظراً لاعتماد دوله الكبير على موسكو. وبدأ الحديث عن العقوبات منذ 22 فبراير بعدما نشرت موسكو عشرات الآلاف من الجنود على الحدود مع كييف. وسرعان ما تطورت الأمور، وبدأت العقوبات ضد روسيا فور إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتراف باستقلال جمهوريتي «دونيتسك» و«لوغانسك» عن أوكرانيا يوم الإثنين الموافق 22 فبراير/شباط الماضي.

وفي اليوم ذاته، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، تعليق التصديق على مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، ليقود أول إجراء ضد روسيا يتعلق بالطاقة. وكانت التوقعات تشير إلى الموافقة على منح الترخيص لهذا الخط الذي ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا، بحلول منتصف العام الجاري، قبل قرار تعليق المصادقة. وعندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 24 فبراير انهالت العقوبات من كل حدب وصوب. وتجنّب الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي، خاصة أنه يستورد 25% من احتياجاته النفطية و40% من واردات الغاز من روسيا، لكن المفوضية الأوروبية أكدت أنها تعمل لجعل أوروبا مستقلة عن الطاقة الروسية قبل حلول عام 2030.

وفي اليوم نفسه -أي يوم 24 فبراير، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات ضد المؤسسات المالية ال10 الكبرى في روسيا والديون السيادية الروسية. وفي محاولة لتقليل تداعيات العقوبات ضد روسيا، رفع البنك المركزي الروسي معدل الفائدة من 9.5% إلى 20%، وسط انخفاض قيمة العملة الروسية (الروبل) أمام الدولار الأمريكي لمستويات قياسية. كما منعت روسيا المستثمرين الأجانب، الذين يمتلكون أسهماً وسندات تُقدَّر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، من بيع تلك الأصول. وبدأت بدورها في فرض عقوبات جوابية. وهددت بتقليل أو إيقاف إمدادات الغاز إلى أوروبا، ثم فرض التعامل بالروبل بدل اليورو أو الدولار.

ورغم أن الغربيين لا يستطيعون في هذا الموقف أكثر من فرض العقوبات القاسية على موسكو وإمداد كييف بالسلاح، يبدو الموقف الروسي غير متفاجئ، بل إن تقارير عدة تشير إلى أن المسؤولين في الكرملين قد وضعوا في حسبانهم مسبقاً هذا السيناريو. وربما لذلك لم يحقق النتائج المرجوة، على الفور، بل إنه عاد بنتائج عسكية على الغربيين أنفسهم بدليل مستويات التضخم والركود الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n6crup9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"