الأخطر من الخطأ

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

من المنطقي أن تحدث أخطاء، فهذا من طبيعة الأشياء. وفي كثير من الأحيان يتعلم البشر، فرادى وجماعات، بالتجربة والخطأ خاصة فيما هو غير مسبوق ولا يمكن القياس فيه على تجارب سابقة. إنما هناك من يستفيد من خطئه، ليس فقط بعدم تكراره ولكن بعلاجه وتجاوزه إلى ما هو أصح.

ومع أن للأخطاء دائماً تبعات سلبية، تتباين حسب حجم الخطأ فردياً كان أم جماعياً، إلا أن الأخطر من الخطأ هو عدم الاعتراف به. فكما هو معروف في الطب أن التشخيص نصف العلاج فإن الإعتراف بالخطأ هو نصف الطريق إلى إصلاحه وتجاوزه وتلافي أضراره. وأحياناً يكون عدم الاعتراف بالخطأ جهلاً أو غفلة عن إدراك ارتكابه، وإن كان ذلك لا يبرر التقاعس عن علاجه. أما الأشد خطورة فهو الإصرار على الخطأ من باب العنجهية وأن تأخذك العزة بالإثم.

ذلك الإصرار على الخطأ، ولوم كل من يراه كذلك في محاولة تبرير الاستمرار فيه، تؤدي إلى كوارث قد يصبح علاجها أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً. من الأمثلة الصارخة على ذلك الصلف والعناد المكلف هو ما يفعله فريق من حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا فيما يخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). ذلك الفريق الذي يقوده رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون ومجموعة البحوث الأوروبية في الحزب والتي تهيمن على الحكومة منذ استفتاء عام 2016.

رغم أنه لا مستحيل في السياسة، إلا أن أي حديث بخصوص العودة عن بريكست غير منطقي على الأقل حالياً. وسواء خدع البريطانيون كي يصوتوا قبل ست سنوات لصالح الخروج من أوروبا أم اختار نصفهم ذلك بوعي كامل فلم يعد مهمّاً لأن الانفصال حدث بالفعل. لكن الطريقة التي تمت بها اتفاقية الخروج لم تكن سليمة، ومن الخطأ اعتبار كل من ينتقدها على أنه «موالٍ للبقاء» في أوروبا. وتلك هي الفرية التي يستخدمها فريق البريكست كي لا يعترف بخطئه ويصر بصلف متناهٍ على أنه أفضل اتفاق وأن من يعارضه لا يريد لبريطانيا التحرر من ربقة الاتحاد الأوروبي!.

نشرت صحيفة «الاندبندنت» هذا الأسبوع بشكل حصري ملخص دراسة لمركز الإصلاح الأوروبي تكشف أن خسائر بريطانيا من بريكست تفوق بمراحل ما كان متوقعاً ومقدراً من قبل. فإلى جانب كلفة الخروج المقدرة بنحو 40 مليار جنيه استرليني، خسرت بريطانيا في التجارة والاستثمار 33 مليار جنيه وانكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 5.5 في المئة.

يشعر البريطانيون بتلك الخسائر بشكل مباشر في حياتهم اليومية، وليست مجرد أرقام وبيانات للاقتصاد الكلي. فبلدهم هو الأسوأ وضعاً من بين كل الدول المماثلة في مجموعة السبع أومجموعة العشرين. ولم يعد الناس «يبلعون» تبريرات فريق بريكست الحاكم تارة بأن وباء كورونا هو السبب، وتارة بأن حرب أوكرانيا هي السبب. فالوباء أصاب دول العالم كلها، لكن تضرر بريطانيا أكبر بكثير. وحرب أوكرانيا تضر بدول أوروبا أكثر من بريطانيا.

المشكلة أن النتيجة ليست فقط أن فريق حزب المحافظين الذي قاد عملية الخروج لا يريد أن يعترف بأنه اخطأ كي لا يخسر إرث هذا الإنجاز المهم وربما الوحيد له، وإنما لأن الإصرار على الخطأ يحول دون العلاج الصحيح. أي ببساطة التفاوض مع الأوربيين على تعديل اتفاق الخروج، أو الوصول إلى اتفاقيات جديدة تعيد لبريطانيا بعضاً من خسائرها التي يمكن أن تتفاقم أكثر بمرور الوقت.

لا يريد فريق بريكست أياً من ذلك، بل يصرّ على أن فرص بريطانيا في الاستفادة من اتفاقيات تجارية واقتصادية واستثمارية مع دول العالم ستجلب لها فوائد ورخاء أكبر بكثير من قبل. أما الواقع فهو أن اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدتها بريطانيا منذ بريكست لم تجلب لبريطانيا أي فوائد تزيد عما كان عليه الوضع وهي ضمن أوروبا. بل إن بعض تلك الاتفاقيات أسوأ بالنسبة لمصالح بريطانيا، كما اعترف مسؤولون في الحزب الحاكم نفسه كانوا طرفاً في مفاوضات تلك الاتفاقيات مثل الاتفاقية مع استراليا.

ومن الشطط ما يفعله فريق بريكست الحاكم باتهامه أي منتقد له بأنه ضد بريكست، فهؤلاء المسؤولون الذي كشفوا تلك الكوارث كانوا وزراء في الحكومة ونواب من الحزب الحاكم مؤيدين لبريكست. وهنا الخطورة الأكبر لموقف ذلك الفريق الذي كان سبباً في الضرر بل ويصرّ على ألا يتم علاجه كي لايبدو أنه أخطأ!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3c5y6h

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"