تركيا والعام الجديد

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

كان العام 2022 حافلاً في تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهو العام الذي يسبق حدثاً محورياً في تاريخ تركيا الحديث، وهو الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى مبدئياً في شهر يونيو المقبل.

وفي العادة، تبدأ الصراعات الانتخابية المختلفة قبل سنة أو سنتين، وأحياناً أكثر. وهذا حال تركيا التي لم تهدأ منذ ظهور نتائج الانتخابات البلدية في نهاية آذار 2019 التي شكلت علامة إنذار لحزب العدالة والتنمية الحاكم، نظراً لأنه خسر الانتخابات في اثنتين من أهم بلديات تركيا وهما أنقرة العاصمة السياسية وإسطنبول العاصمة الاقتصادية. ويقال في تركيا إن من يدير إسطنبول يحكم تركيا. ولم تكتف المعارضة بالانتصار في إسطنبول، بل أظهرت شخصية سياسية جديدة هي أكرم إمام أوغلو الذي كان يتوقع أن يتحول بعد فوزه ببلدية إسطنبول إلى المنافس الرئيسي لرجب طيب أردوغان على الرئاسة في العام المقبل.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي تقدم إمام أوغلو على أردوغان نفسه في حال التقت المعارضة على مرشح واحد. ولكن ما حدث مؤخراً أعاد خلط الأوراق، إذ حكمت محكمة قضائية في إسطنبول بسجن إمام أوغلو ومنعه من العمل السياسي، على أن يُطبَّق ذلك في حال تحول القرار إلى نهائي من قبل المحكمة العليا.

ولا شك أن مثل هذا القرار أحدث بلبلة في المعارضة وربما يطيح نهائياً بأبرز منافس لأردوغان ويفتح أمام الأخير الطريق للفوز بانتخابات الرئاسة.

لكن كل ذلك متوقف على ما ستفعله المعارضة. ذلك أن مرشحاً مشتركاً لها يمكن أن يطيح بأردوغان إذا حصل على دعم الصوت الكردي المتمثل ب «حزب الشعب الديمقراطي» الذي لا تقل أصواته عن عشرة في المئة، وهي كافية لترجيح كفة مرشح على آخر.

والانتخابات ستكون مفصلية في نتائجها. إذ إن المعارضة وعدت في حال انتصارها تغيير النظام من رئاسي إلى برلماني وفق ما كان عليه قبل العام 2018.

كذلك في حال فوز مرشح المعارضة، هذا يعني سقوط مرشح الإسلام السياسي الذي حكم تركيا منذ العام 2002. ولا شك أن أي خسارة لأردوغان وتولي المعارضة الحكم، تعني أن زلزالاً قد ضرب تركيا والمنطقة.

إن مصير الانتخابات الرئاسية سيحظى ليس فقط باهتمام العواصم الإقليمية والعالمية، بل بالتدخل الفعلي بطريقة أو بأخرى لهذه العواصم في هذه الانتخابات.

ولأن أردوغان يعرف أن سر نجاحه كان النهضة الاقتصادية، فهو يدرك خطورة الانهيار الاقتصادي على حظوظه في الفوز. وعلى هذا كان العامل الداخلي أساساً في الانعطافة التي بدأها أردوغان قبل أكثر من عام في اتجاه معظم عواصم المنطقة، من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية ووقف التدهور المعيشي الذي وصل حدوداً خيالية لم يسبق لها مثيل. وعلى هذا بادر أردوغان إلى تطبيع علاقاته مع إسرائيل وتبادل السفراء أملاً في أن تتوسط إسرائيل لدى إدارة جو بايدن من أجل وقف ضغوطها الاقتصادية على تركيا. كذلك هدفت تركيا من مصالحاتها مع السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تستجلب دعماً مالياً أو استثمارات تخفف عنها الأعباء الاقتصادية.

وكانت الحلقة الأخيرة هي محاولة المصالحة مع دمشق التي لا تزال ترى أن الاقتراح التركي للمصالحة ليس جدياً ولا يتضمن أية خريطة طريق أو التزامات، وهدفه مجرد استغلال فكرة المصالحة لتوظيفها في تعزيز فرص أردوغان للفوز.

وفي اتجاه الهدف الرئاسي نفسه، فإن تركيا نجحت في تدوير الزوايا في مواقفها من الأزمة الأوكرانية والصراع بين روسيا والغرب، فبدت على مسافة واحدة تقريباً من الجميع.

ولا شك أن تركيا تخففت كثيراً من أثقال عداواتها السابقة مع كثير من دول المنطقة. لكن التوترات والمشكلات لا تزال قائمة بين أنقرة والعديد من الدول، منها التاريخي ومنها الظرفي، من مصر وسوريا والعراق إلى القوقاز واليونان وشرق المتوسط. في جميع الأحوال إنه عام مفصلي ينتظر تركيا والمنطقة بنتائجه وتداعياته.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3tk8r55w

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"