عادي

عذب الكلام

23:10 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

من جماليات التشبيه أن يكون المشبّه به مفعولاً به ثانياً، والمشبّه مفعولاً أوّل؛ منه

قول المازني في وردة ذابلة:

ولَوِ اسْتَطَعْتُ حَنَيْتُ أض

لاعي على ذاوي سَناها

وجَعَلْتُ صَدْري قَبْرَها

وجَعَلْتُ أحْشائي ثَراها

المشبّه: صدري مفعول به أوّل ل «جعل»، والمشبّه به: قَبَرها، مفعولٌ به ثانٍ ل«جعل»، والأداة ووجه الشّبه محذوفان.

دُرر النّظم والنّثر

لَقَدْ كتبْنا

نزار قبّاني (بحر البسيط)

لَقَدْ كتبْنا وأرْسلْنا المَراسيلا

وقَدْ بَكيْنا وبَلّلنا المَناديلا

قلْ للَّذينَ بأرضِ الشّامِ قَدْ نَزلوا

قَتيلُكُمْ لم يَزَلْ بالعِشْقِ مَقْتولا

يا شامُ، يا شامةَ الدُّنيا ووَرْدَتها

يا مَنْ بِحُسْنِكِ أوجَعْتِ الأزاميلا

وَدِدْتُ لَوْ زَرعوني فيكِ مِئْذنةً

أو عَلّقوني على الأبْوابِ قِنْديلا

يا بلدةَ السَّبْعَةِ الأنْهار يا بَلَدي

ويا قَميصاً بِزَهْرِ الخَوْخِ مَشْغولا

ويا حِصاناً تَخلّى عنْ أعِنّتِهِ

وراحَ يفتحُ مَعْلوماً ومَجْهولا

هَواكَ يا بَردى كالسَّيْفِ يَسْكُنُني

وما مَلَكْتُ لأمْرِ الحُبِّ تَبْديلا

أيّامَ في دُمَّرٍ كنّا وكانَ فَمي

على ضفائِرِها حَفْراً وتَنْزيلا

والنَّهْرُ يُسْمِعُنا أحْلى قَصائدِهِ

والسَّرْوُ يُلْبِسُ بالسّاقِ الخلاخيلا

يا مَنْ على وَرَقِ الصَّفْصافِ يَكْتُبُني

ِشعْراً ويَنْقُشُني في الأرْضِ أَيْلولا

يا مَنْ يُعيدُ كراريسي ومَدْرَستي

والقَمْحَ واللّوْزَ والزُّرْقَ المَواويلا

يا شامُ إنْ كُنتُ أُخفي ما أكابِدُهُ

فأجملُ الحُبِّ حُبٌّ – بَعْدُ - ما قيلا

من أسرار العربية

في الفروق اللغوية: بين الوَضاءةِ والحُسْنِ والوسامةِ: الوَضاءةُ في الصُّورةِ فقط، لأنّها تَتضَمَّن معنى النّظافةِ، يُقال «شابٌّ وضيءٌ، إذا كانَ حَسناً نظيفاً، ومنه قيلَ: «الوضوءُ»، لأنه نظافة. والحُسنُ، للصورةِ والأفعالِ والأخلاق. أما الوسامةُ، فهي الحُسنُ الذي يَظهر للنّاظرِ، ويزيد عند التوسّم، وهو التأمّلُ، وهي أبلغُ من الحُسْنِ.

بينَ المكافأةِ والشُّكرِ: المكافأةُ تكونُ بالنّفعِ والضَّرِّ، لأن المكافأةَ من الكُفؤ أي المِثلِ، وتكونُ بالقولِ والفعْلِ، أما الشكرُ، فلا يكونُ إلا بالنّفعِ، ولا يكون إلا قولاً. بين اللوم والعتاب: اللومُ تنبيهُ الفاعل على موقعِ الضّررِ في فعلهِ. أما العتابُ، فهو على تضييعِ مودّة أو إخلالٍ بالصداقة؛ قال المقنّع الكندي:

يُعاتِبُني في الدَّينِ قَومي وإِنَّما

دُيونيَ في أَشياءَ تُكسِبُهُم حَمْدا

هفوة وتصويب

يقول بعضهم «علِمَ بأنّ الخبر صحيح»، و«ذكر بأنّه كذا..» أو «ادّعى بأنّه».. و«شَهِدَ بِأَنَّ..»، و«قال بأن..»؛ إقحامُ الباءِ بعدَ هذهِ الأفعالِ غيرُ صحيح، والصّوابُ حذفُها والقولُ: «علم أنّ».. و«ذكر أنّه»..إلخ. قال الخليل الفراهيدي:

لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ ما أقولُ عَذَرْتَني

أو كُنْتَ تَعْلَمُ ما تَقولُ عَذَلْتُكا

لكنْ جَهِلْتَ مَقالتي فَعَذَلْتَني

وَعَلِمْتُ أنّك جاهلٌ فَعَذَرْتُكا

أما بعد القول، فتكسر همزة «إنّ» وجوباً.

كُثُرٌ يستخدمون هذه العبارة «هذا الأمرُ يطالَهُ القانون»، وهي خطأ، والصّوابُ «يطولُه»، لأن الفعل طَالَ يَطُولُ طُولاً، فَهُوَ طَوِيلٌ، لازم. أما يطولُهُ، فهو متعدّ، ومعناه يناله، قال جرير:

إِنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عَادِيَّةٌ

طَالَتْ، فَلَيْسَ تَنَالُهَا الْأَوْعَالُ

أي فاقت تيوس الجبل، فلا تتمكّن منها.

من حكم العرب

إِذا قُلْتَ في شَيْءٍ نَعَمْ فَأَتِمَّهُ

فَإِنَّ نَعَمٌ دَينٌ عَلى الحُرِّ واجِبُ

وإِلّا فَقُل لا تَستَرِح وَتُرِح بِها

لِئَلّا يَقولَ الناسُ إِنَّكَ كاذِبُ

البيتان لمحمد بن حازم الباهلي، يقولُ فيهما إن قطع الوعد، التزام إخلاقيّ وإنسانيّ، على من يقطعه على نفسه، بقوله «نعم» أن يلبّيه، وإلّا فليقل «لا»، حتى لا يعيبه الناس بالكذب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mkj36tyw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"