عادي
تفكك أسري وأحقاد يتوارثها الأبناء

أسباب غريبة تدفع أشقاء إلى أروقة المحاكم

00:34 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: محمد الماحي

في زمن طغت فيه المادة على أواصر المحبة وعلى كل العلاقات المقدسة، نجد أن الأخوة يغتالها البعض ويحولها إلى الكراهية والجفاء والقطيعة وربما العداوة، بعد أن تصل المشاكل البسيطة والتافهة والاعتيادية بين الأشقاء جلسات المحاكم ويتقابل الإخوة متهمون وضحايا يحكي كل واحد منهم للقاضي عن قضيته ومشكلته وكأنهم أعداء لا تربطهم أي رابطة، فلم تعد مشاكل الأسرة الواحدة تحل بين جدران المنزل؛ بل أصبحت المحكمة مجالاً لتبادل التهم وتفريغ المشاكل، فتجد روابط الدم وقيم الأخوة تتلاشى بين أروقة العدالة.

قضايا عدة سجلتها محاكم الدولة، أخيراً، تحمل بعض القصص المؤلمة أبطالها إخوة تربطهم علاقة مقدسة خرجوا من رحم واحد، وعاشوا أجمل سنين عمرهم في بيت واحد، لكن للأسف لم يكونوا على قلب واحد، يتخاصمون في المحاكم بسبب قضايا بسيطة توصف بالتافهة، ويمكن تفاديها داخل البيت من هذه القضايا تخاصم خليجيان في رأس الخيمة بعد نقاش تحول إلى إساءة وضرب من أحدهما للآخر الذي لجأ للقضاء، وجاء في منطوق الحكم، أن المدعى عليه اعتدى على السلامة الجسدية للمدعي وهدده بالقتل بشهادة الشهود وتصريحات المجني عليه بما في ذلك شهادة أشقاء الطرفين، وعليه انتهت الأحكام بإدانة المتهم، وقضت محكمة مدني جزئي رأس الخيمة بإلزام الخليجي، بأن يؤدي لشقيقه 16 ألف درهم تعويضاً عما لحقه من ضرر مادي وأدبي، جراء الاعتداء عليه.

الصورة

على الرغم من أن الأخوة كلمة تحمل بين طياتها دفئاً وإحساساً يلونان ويجملان بأروع ألوان الحب والحياة، فهي السند والعزة والقوة والأمان، لكن وبكل أسف نجد الصراع العبثي بين الأشقاء ينتهك هذه القيم الإنسانية، وفي هذا السياق نذكر قضية شاب ضد شقيقته في محكمة العين يطالبها بأن تؤدي له 100 ألف درهم، قيمة ما تحمله من نفقاتها من مأكل ومشرب وملبس ومصروفات أخرى متعلقة بالمعيشة خلال فترة وصايته عليها حتى تزويجها، حيث أقام الأخ الدعوى، مطالباً بندب خبير حسابي لتقدير النفقات التي أنفقها عليها، مشيراً إلى أنه كان وصياً على أخته المدعى عليها، بموجب إعلان الوراثة الشرعي، وقد تحمل نفقاتها من مأكل ومشرب وملبس ومصروفات أخرى متعلقة بالمعيشة حتى تزويجها، وقد تسلمت أموالها وطلبت ما تبقى منها لديه بموجب دعوى قضائية، الأمر الذي حدا به إلى مطالبة المدعى عليها بقيمة المصروفات التي أنفقها عليها.

عدم التحكم

وتكشف جلسات المحاكم بأن العديد من الأسباب التي توصل الأشقاء إلى العدالة تافهة وغير منطقية، ومنها ما يكون بسبب النرفزة وعدم التحكم في الأعصاب، وفي هذا نذكر قضية شاب أقام دعوى قضائية أمام محكمة الجنح بأبوظبي ضد شقيقه الذي أرسل له رسالة عبر الواتس آب يسبه فيها، وقام إثر ذلك بفتح دعوى أمام محكمة الجنح بأبوظبي، صدر فيها حكم بالإدانة والغرامة.

وفي واقعة أخرى نشبت خلافات أسرية بين شاب عربي وإخوته في المنزل، بحيث تعرض للقذف والسب منهم ليقوم حينها بتصوير الواقعة بواسطة هاتفه لإثباتها، وحتى يتمكن من فتح بلاغ جنائي لمحاسبتهم، وتقديم التسجيل دليل إدانة ضدهم، إلا أنه وعند فتح البلاغ لدى الشرطة وتقديم التسجيل لإثبات واقعة السب والقذف قام إخوته في المقابل بفتح بلاغ أيضاً لواقعة التصوير والتسجيل بدون إذن أو تصريح، وقضت المحكمة الجزائية في أبوظبي عليه بدفع غرامة قدرها 20 ألف درهم.

وشهدت المحاكم مؤخراً ظهور علاقات عداء بين الأشقاء، أدت في بعضها إلى حرمان أخوة من رؤية والدتهم، حيث عاش شقيقان خليجيان محرومين من رؤية أمهما العجوز التي تبلغ من العمر 70 عاماً لمدة ست سنوات، بسبب خلافات مع أشقائهما الأصغر سناً، وحاولا بشتى الطرق الودية الوصول إلى حل لهذه الخلافات، لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل، ما دفعهما للجوء إلى محكمة الأحوال الشخصية التي أنصفتهما وقضت بالسماح لهما برؤية أمهما أسبوعياً.

التروي والحكمة

وأكد عدد من المختصين، خلال حوارهم مع «الخليج»، أن أغلب قضايا الأشقاء في المحاكم بسيطة وسهلة، ويمكن تفاديها من دون اللجوء إلى القضاء إذا اختاروا التروي والحكمة، لافتين إلى أنها مظاهر تبيّن تدهور العلاقات الاجتماعية في المجتمع وطغيان الجانب المادي.

وأضافوا أن وصول خلافات الأشقاء إلى ساحات المحاكم من الظواهر الغريبة والدخيلة على المجتمع الذي يقدس صلة الرحم، وعلى المودة والرحمة ليس بين أفراد العائلة فقط؛ بل بين الجيران والأصدقاء، مؤكدين ضرورة تحجيم تلك الظاهرة التي تهدم الكيانات الأسرية، وبيان المخاطر الاجتماعية.

وحول هذه القضية الشائكة، أشار المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي، إلى أن ارتفاع عدد القضايا المسجلة لدى المحاكم ما بين الأشقاء وأفراد العائلة الواحدة مؤخراً راجع لغياب الأخلاق ونقص الوازع الديني، بحيث لم تعد لروابط الدم قيمة مثل السابق، وهذا ما يدفع بالأطراف المتضررة إلى إيصال مشاكلهم لأروقة المحاكم دون التريث أو أخذ علاقة القرابة بعين الاعتبار، لافتاً إلى أن القضايا التي يتخاصم فيها الأخوة تشهد ارتفاعاً ملموساً، وباعتقاده بأن هناك تزايداً في حجم المشكلات الأسرية وهناك قضايا ذات حجم كبير مثل قضايا العنف الأسري، وهذا الأمر بحد ذاته مؤشر على ارتفاع مشاكل المجتمع.

وقال إن الدعاوى المتعلقة بالأسرة الواحدة من أخطر الأنواع التي تتعامل معها المحكمة بدقة وعناية فائقة، على اعتبار أنها تعنى بالأسرة وهي أساس المجتمع؛ حيث تبذل المحكمة جهداً كبيراً في محاولة الإصلاح بين الأطراف.

وناشد جميع أفراد الأسرة أن يحلوا مشاكلهم داخل منازلهم وبعيداً عن الأطفال الذين ينزعجون من هذه المشاكل، والتي تؤثر سلبياً في سلوكياتهم.

ظواهر غربية

ويتفق الخبير التربوي محمد راشد الحمودي مع ما سبق ويضيف إليه: «أصبحت الخلافات بين الأشقاء في المحاكم من الظواهر الغربية والدخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فقد كان من المتعارف عليه أنها نشأت على تقديس صلة الرحم، لافتاً إلى أنها من القضايا التي تهز وتزعزع كيان الأسرة، فضلاً عن أنها ثقافة قد تنتقل للأبناء».

وأكد أن أغلب القضايا المنظورة بسيطة وتافهة ويمكن حلها داخل الأسرة، لكن وصولها إلى المحكمة يبيّن تدهور العلاقات الدم الواحد وطغيان الجانب المادي، مشيراً إلى أن السبب الأول والمهم هو وجود أخطاء تربوية من أهمها التفرقة بين الأبناء كتفضيل أحدهم على الآخر أو تفضيل الولد على البنت، وهذا الخطأ بذرة الكره الأولى التي يبذرها الوالدان أو أحدهما في نفوس أبنائهما. وتابع: شهد المجتمع مؤخراً ظهور علاقات العداء بين الأخوه سواء في حياة الأبوين أو بعد وفاة أحدهما أو كلاهما، لكن لا نزال حتى الآن نرى في كثير من العائلات الممتدة التي تضم جيلين أو ثلاثة ويعيش أفرادها في محبة وتآلف بعيداً عن الخلافات والمشكلات المفتعلة.

ودعا الحمودي، إلى أهمية التحلي بقيم التسامح والتساهل في مثل هذه الحالات التي تجلب لصاحبها وللأبناء التعب والمعاناة النفسية نتيجة الغضب والرغبة في الانتقام وتصفية الحسابات، مشدداً على أهمية تغليب لغة الحوار والعقل أثناء النقاش بين الأشقاء، لأن الخلاف ليس معركة يثبت كل طرف فيها أنه الأقوى؛ بل الهدف الأساسي من الحوار هو حل المشكلة.

التنشئة الاجتماعية

ويرجع اختصاصي الطب النفسي نواف النعيمي، التردي الذي وصلت إليه العلاقة بين الإخوة إلى السياق الاستثنائي الذي يمر به المجتمع، مشيراً إلى أن تراجع قيم الأخوة سببه وجود أخطاء في التنشئة الاجتماعية التي تتراوح بين أخطاء في التعامل وأخطاء في القيم التي نربي عليها، فكثير من الأسر اليوم لم تعد ذلك المكان الآمن الذي يوفر عنصر التضامن والانتماء، كما أن معاملة الأبناء تتسم بقلة العدل والتمييز سواء على أساس الجنس أو السن.

وأضاف أن مظاهر التمييز تعد عوامل تغذي الحقد بين الإخوة وتكبر معهم، لافتاً إلى ضرورة تمكن الأهل من التمييز بين الشجارات اليومية البسيطة والخلافات التي قد تؤدي إلى عواقب أكثير خطورة، عليهم، في المقام الأول، مراقبة ما يدور بين الأولاد، فمن خلال التنبه لطريقة تطور الشجار بينهم حتى يستطيع الوالدان تحديد المنحى الذي سيتخذه، خصوصاً أن المشاحنات عنف بدني ولفظي.

ويشير إلى عوامل أخرى، تقوم على أساس المقارنة بين الأخوة على أساس الذكاء أو التحصيل الدراسي أو التفوق، والتي أحياناً تؤجج نار الغيرة بينهم إذا ما أخفق الابن في التحصيل الدراسي كأخيه أو أخته فيتولد لديه الإحساس بالحقد، ما يؤدي إلى اعتماد العدوانية في التعامل معهم.

ويؤكد أهمية الابتعاد عن هذه الطريقة في التعامل مع الأبناء بمحاولة تشجيعهم من خلال تقديم الحوافز والهدايا لهم.

الوالدان سر نشوء طبيعة العلاقة

1
جميلة الحساني

الاختصاصية النفسية جميلة الحساني، فترى أن تعامل الوالدين مع أبنائهما هو سر نشوء طبيعة العلاقة التي ستجمعهما لاحقاً، لذلك يعد الوالدان هما المسؤولان الأولان عن هذه القضية، لأنهما من يضع اللبنة الأولى التي يعيش فيها الطفل منذ ولادته، وهما اللذان يحولانه إلى شخصية اجتماعية تتآلف وتكون العلاقات داخل العائلة وخارجها، وهما اللذان يتعلم منهما سلوكه وسمات شخصيته، لذا تقع عليهما مسؤولية تشكيله اجتماعياً.

وتشير الحساني، إلى أن كثيراً من الآباء يفضلون ابناً على أخيه؛ يخصونه بالثناء والإطراء والأحضان والقبلات والاهتمام والإنصات، وهذا ينشر الكراهية والحقد بين الأخوين، كما أن هناك الأب الذي ينحاز لواحد من أبنائه في مشاحناته مع إخوته، ما ينزع المشاعر الطيبة من قلوبهم جميعاً.

وتابعت: كثير من الخلافات والعلاقات المتوترة بين الأخوة والتي تبرز بسبب زوجاتهم ترجع بالأساس إلى ضعف العلاقات بينهم أصلاً، ما يسمح للزوجة بالتدخل في حياة الإخوة لتتلاعب بالمشاعر وتزيد من التفكيك، والعامل الآخر الذي يسهم في توتر العلاقات بين الإخوة هو نجاح الزوجة بإقناع زوجها بعدم الاختلاط مع أسرته، وهذا الأمر يسبب ضغطاً على الزوج الذي لا يستطيع التوفيق بين علاقاته الأسرية ورضا زوجته، موضحاً أن هذا الأمر يكون لضعف الزوج في وضع الأسس السليمة أثناء تأسيس الأسرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddc7mzm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"