تفاءلوا بالخير

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

من مراجعة كثير من المواد التي تعدّها وسائل الإعلام في نهاية العام حول حصاد السنة المنتهية، يصعب التفاؤل بوضع العام الجديد. لكنّ هناك دوماً مساحة للتفاؤل، ليس من باب «التفكير بالتمني» فيما يمكن أن تحمله السنة الجديدة، ولكن استناداً إلى تاريخ البشرية وقدرة الإنسان على ابتكار الحلول ومعاودة الانطلاق بشكل أفضل مما كان. هكذا تفيد تجارب التاريخ البعيد والمعاصر.

صحيح أن مقدمات عام 2022 تشير إلى أن العام 2023 لن يكون أفضل بالنسبة للاقتصاد العالمي، مع استمرار ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم ومزيد من التباطؤ في النمو الاقتصادي إلى حد الانكماش. إنما ما يدعو للتفاؤل أن هذا العام الجديد ربما يشهد قمة المنحنى في كل تلك المؤشرات، ويبدأ بعده المنحنى في النزول، فينخفض التضخم ولا ترتفع أسعار الفائدة. وبالتالي، يمكن اعتبار العام الجديد مقدمة انطلاقة نمو جديدة في الاقتصاد العالمي سيكون الأكثر استفادة منها من استعدّ لها باقتناص الفرصة من رحم الأزمة.

هذا على صعيد الاقتصاد، الذي يعدّ محركاً لكثير من أمور البشر على كوكب الأرض. لكن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة بالطبع. وإذا كان العام الماضي شهد كثيراً من الاضطراب وعدم اليقين نتيجة تقلبات السياسة في كثير من البلدان، فإن العام الجديد سيكون أيضاً منصة انطلاق نحو استقرار بدرجة ما في كثير من تلك البلدان.

ربما لا ينعكس ذلك بوضوح تام على العلاقات الدولية، لكن العام الجديد الحالي يشكل الفرصة الأفضل للسعي نحو انطلاقة سياسية أفضل في العام القادم 2024.

إذا كان العام الذي ودعناه قبل أيام شهد بوادر انقسام بين شرق وغرب، فإن العام الجديد قد يعزز ذلك الانقسام. وليس ذلك بالأمر السلبي مطلقاً، بل إن هذا العام قد يكون فرصة بالفعل لتتخلص «العولمة» من شوائب كثيرة ميزت العلاقات الدولية في العقود الأربعة الأخيرة. وبغض النظر عن التفاصيل، فالمهم أنه إذا انتهز العالم الفرصة يمكن أن يكون العام القادم بداية تأسيس لنظام عالمي جديد فعلاً. ذلك الهدف الذي أصبح الحديث عنه متكرراً منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي قد تنطلق بداية تحقيقه هذا العام.

قد يبدو كل ذلك من باب «تفاءلوا بالخير تجدوه» وهو أمر محمود، فالتفاؤل دافع مهم للعمل الإيجابي، عكس الركون إلى مثالب الماضي وتوقعات المستقبل المتشائمة. ولعل هذا العام يكون فرصة عظيمة لمنطقتنا، ليس فقط لتجاوز العلل التي عانى منها العالم فحسب، بل لتعزيز مكانتها والاستفادة من كل الفرص المتاحة نتيجة ما يجري في العالم.

على سبيل المثال، مع استمرار الحرب في أوكرانيا هذا العام، واحتمالات اشتعال بؤر أخرى في البلقان بين صربيا وكوسوفو.

تلك فرصة ذهبية في هذا العام لإطفاء حرائق في المنطقة تستنزف الموارد وتعطل التنمية المستدامة لخير شعوبها. ولعل هذا العام يكون عام إنهاء الصراع في اليمن بتسوية سياسية تشمل جميع الأطراف، وتوقف دمار الحرب، وتفتح أفقاً جديداً أمام الشعب اليمني، بدعم من أشقائه في الخليج، لإعادة بناء بلدهم المستقر. كما أن رياح هذا العام قد تبتعد عن نيران الفوضى وعدم الاستقرار في بلدان المنطقة القريبة من أوروبا، وتمتصها اشتعالات أوروبا. فنشهد تسوية للوضع في سوريا تخلص هذا البلد من أسباب العنف والدمار الذي يشهده منذ أكثر من عقد من الزمن. وأيضاً تشهد ليبيا تغييراً جذرياً يخلصها من تلك النخب الميليشاوية، التي توفر بؤرة للإرهاب الذي يدمر مقدرات اللليبيين، قبل أن يهدد جيران ليبيا شرقاً وغرباً.

كل تلك الاحتمالات ليست بعيدة عن التحقيق في العام الجديد، والتفاؤل بأن يعمل قادة دول المنطقة على إنجازها ليس من باب التمني فقط. بل إن هناك قيادات جديدة واعدة بزغت في المنطقة، لديها الإرادة والعزم على التغيير نحو الأفضل.

فمن أهم ملامح العام الذي مضى أن هؤلاء القادة اتبعوا طريقاً جديداً في مواقفهم من التطورات الدولية بعدم الاصطفاف مع هذا أو ذاك، بل العمل على تنويع التحالفات والعلاقات على أساس المصلحة الوطنية والإقليمية أولاً وأخيراً. والعام الحالي فرصتنا لتعزيز ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mbemfxtr

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"