تنتظرنا أيام أخرى صعبة

00:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

تقرأ ما يكتبون وما يذاع، في أمريكا وبعض دول الغرب، عن عالم يعيش حرب أوكرانيا ، فتتخيل أنك مطالب بأن تزهو بزهوهم، وتعيش في أوهامهم. أنت مطالب بأن تؤمن إيماناً قوياً بأن التاريخ انتهى، فالغرب مكتسح بقيمه وقوته وأحلافه، ولا مكان فيه لدخيل أو لجديد إلا بإذن من الولايات المتحدة ولدور تحدده. مثلاً، لم أجد في معظم ما كتب هناك وأُذيع من ردود الفعل على نتائج القمة الإفريقية الأمريكية إلا المبالغة، أو القصور المتعمد، أحياناً، في الفهم والتفسير.
 اختلفت قراءتنا عن قراءتهم للنتائج. كنا قبل انعقاد القمة على علم بأنه لم تكن لدى الولايات المتحدة سياسة مستقرة ومعروفة تجاه إفريقيا، وبعد القمة ازدادت قناعتنا الأولى رسوخاً، ليس بأن أمريكا لا تهتم كثيراً بإفريقيا فقط، ولكنها أيضاً ليست معنية بصنع سياسة خاصة للمستقبل تهتم بهذه القارة. وبدت لنا أمريكا وهي تصر هنا، في إفريقيا كما في غيرها، على اجترار التاريخ وفرضه بالقوة.
  أظن، ولا أعتقد أنه ظن خائب، أن زعماء القارة الذين لبّوا الدعوة لحضور هذه القمة في واشنطن لم ينتظروا أن تسفر القمة عن نقلة إيجابية معتبرة نحو صيغة مختلفة ومضمون بنّاء. قليلون راودهم الأمل في أن تكون الحرب الأوكرانية لفتت الانتباه الأمريكي إلى أهمية الإصغاء إلى زعماء القارة قبل فوات الأوان. أغلبهم راحوا إلى المؤتمر وكلهم ثقة وعلى يقين بأن واشنطن، على مختلف مستويات المسؤولية فيها، إنما تدعوهم لتلقنهم درساً في مزايا الديمقراطية الليبرالية وفي مساوئ النموذج الصيني، بعد أن اكتشفت المدى الذي وصلت إليه الصين في سباقها مع الغرب على ثروات ومقدرات القارة. 
   ذهب زعماء إفريقيا إلى واشنطن يصحبهم الاقتناع بأن أمريكا تريد التأكد من أن إفريقيا لن يؤول النفوذ فيها إلى أي من الصين وروسيا، أمريكا كعادتها تريد أن تحصل من القمة مقدماً على التزامات على هذه الدرجة من الأهمية، والأفارقة، كعادتهم، انتظروا أن يحصلوا بدورهم على التزام قوي بأن تسعى واشنطن إلى تخفيض أو إلغاء ديونهم الخارجية. لم يقدم الأفارقة التزاماً بوقف التعاون مع الصين وروسيا في مجالات استكمال البنى التحتية، ولم يحصلوا على وعود جازمة بدعم اقتصادي من جانب الولايات المتحدة.
   واقع الأمر يعلن صراحة أن إفريقيا ليست بأهمية شرق آسيا في الاستراتيجية الأمريكية. يعلن أيضاً بلغة واضحة وصريحة أن أوروبا لم تعد تحظى بموقع الأولوية في قائمة الاهتمامات الأمريكية. وهناك من توقع انحسار أهمية أوروبا في الاستراتيجية الأمريكية نتيجة التطورات الناجمة عن حرب الرئيس بوتين ضد أوكرانيا. لكن في الوقت نفسه كان هناك من يقول إن هذا الانحسار ليس جديداً، أو طارئاً، وغير ناتج عن حرب بوتين، بل كان علامة مميزة من علامات عهد الرئيس دونالد ترامب. 
  انتهى العام ساحباً وراءه عدداً من الصدمات ليسلّمها لعام جديد. وبين هذه الصدمات ما يصلح ليتحول إلى موجات وعواصف تطيح آمال وطموحات كثير من الدول والبشر.
 أختار منها هنا على سبيل المثال، بعضاً أعتقد أن لأمريكا، ودول أخرى في الغرب ومنها بريطانيا، دوراً في صنعه.  اخترت الحرب التي شنها فلاديمير بوتين على أوكرانيا، وخلفها العام الراحل، مستمرة. اخترت أيضاً الأزمة الاقتصادية العالمية، وهي الأزمة التي لا يمكن لفداحتها وتعقيداتها أن يكون للدول الأقل حظاً في التقدم ونصيباً في الثروة، دوراً في صنعها، ولكن نصيبها من الأزمة وتداعياتها عظيم بكل الحسابات والقيم. خلف العام لعام يليه بالضرورة والحتمية، خلف حال اكتئاب يصفه متخصصون بغير المسبوق من وجهة نظرهم. بعض هؤلاء المتخصصين يعتقدون باستحالة تفاديه وصعوبة التفلت منه. 
  ليس بيننا، على ما أظن، من ينكر أن البشرية تعيش هذه الأيام تحت سحابة التهديد النووي المتبادل. رعونة لم نألفها، وكان الظن أنها اختفت. والواقع المعيش يؤكد أنها موجودة، بل ويضاعف من الإحساس بوجودها حال عدم الاستقرار على كلا المستويين: المستوى الدولي والمستوى الإقليمي. نسمع مسؤولين أفارقة يحذرون ضد عودة الاستعمار الغربي إلى إفريقيا مشحوناً بطاقة هائلة من العنف والنفاق والعنصرية المكشوفة، وبالفعل صدر عن المفوضية الأوروبية مؤخراً، ما ينبئ بدعوة دول الاتحاد الأوروبي للعودة لانتهاج سياسات استعمارية، وفي المقابل نشهد ميلاً متزايداً لدى النخب السياسية في دول نامية لاتخاذ مواقف تتحدي بها الهيمنة على مقدرات شعوبها، وترد على استفزازات الغرب، آخرها مواقف للسعودية ودول في إفريقيا والهند، بل وفي بعض دول الجوار الأمريكي.
  تحدث الرئيس الصيني عن عواصف خطيرة قادمة، وأعمال استفزاز وتدخلات غربية سافرة. أتفهم ما قاله. فمن موقعي، ومتابعتي لمراحل الصعود الصيني أستطيع أن أؤكد أن قيادات الحزب الصيني التزمت توصيات الرئيس دينغ تشاو بينغ، لخلفائه أن يصعدوا بالصين على مهل، ومن دون ضجة. وهذا ما فعلوه. صعدوا بهدوء، بل وصعدوا تحت مظلة التعاون مع أمريكا في ميادين عدة، وظلت واشنطن راضية بهذا الصعود حتى وقع اكتشاف الأمريكيين للانحدار المتدرج في القوة الكلية لبلادهم بالنسبة للصعود المتدرج للقوة الكلية للصين. هنا عادت أمريكا لتثير للصين الزوابع وتمارس شتى أنواع الاستفزاز، وفي صدارتها الاستفزاز الدبلوماسي، والتدخل في الشؤون الداخلية مثل الوضع في سنكيانغ والتبت، وعلاقة جزيرة تايوان بالوطن الأم.     
    حدث ما حذّر منه الرئيس دينغ، وما أوصى بتفاديه، وهو الصدام مع الغرب قبل أن يكتمل الصعود. ولا شك عندي في أن الرئيس شي يتوقع أذى قريباً من جانب قادة الولايات المتحدة في الشهور المتبقية من ولاية الرئيس بايدن، أو في ولاية رئيس جمهوري قادم إلى البيت الأبيض بعد عامين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9f965k

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"