الرهان الأمريكي على بولندا

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

تعمل السياسة الأمريكية في أوروبا على إبقاء القارة العجوز في حالة تبعية دائمة لسياساتها ولمشاريعها الجيوسياسية، فهي لا ترغب إطلاقاً في أن تصبح هذه القارة قوة مستقلة تعتمد على نفسها في توفير حاجياتها الأمنية، وبالتالي، فهي تراقب عن كثب مساعي كل من باريس وبرلين من أجل تطوير سياسة دفاعية أوروبية مستقلة عن مظلة حلف الناتو. وتراهن واشنطن من أجل الهيمنة على أوروبا على الولاء الكامل لها من قبل دول شرق ووسط أوروبا بشكل عام وعلى بولندا بشكل خاص، وقد سبق لمحللين استراتيجيين أمريكيين أن أشاروا إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى جعل بولندا أكبر قوة اقتصادية في أوروبا خلال العقود المقبلة.

وتُجمع التقارير الدولية على أن البنتاغون ينظر إلى بولندا بوصفها حليفاً نموذجياً للولايات المتحدة لأسباب متعددة لعل من أبرزها الكره البولندي التاريخي لروسيا وتخوف وارسو المستمر من أن تتحوّل ألمانيا مستقبلاً إلى أكبر قوة عسكرية في أوروبا، لذلك، فإن هذه التقارير تتساءل بجدية عمّا إذا كانت بولندا ستكون حصان طروادة لأمريكا في أوروبا لإحكام قبضتها على مصير ومستقبل الشعوب الأوروبية. ومن الواضح أنه وعلى الرغم من أن بولندا كانت جزءاً من منظومة الدول الحليفة للاتحاد السوفييتي حتى نهاية الحرب الباردة، فإنها من بين أوائل دول الكتلة الشرقية التي سارعت إلى الانضمام إلى الحلف الأطلسي سنة 1999، واعتبرت هذا الحدث أهم بكثير من حدث انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004، لأنها تنظر إلى هذا الاتحاد بوصفه مجرد تكتل اقتصادي يمكنه أن يساعدها على تجاوز صعوباتها المالية.

ويتذكر الجميع أن بولندا كانت حريصة على إبداء دعمها لواشنطن أثناء غزوها للعراق سنة 2003، متجاهلة تحفظات ومعارضة كل من فرنسا وألمانيا، وضغطت بمعية دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي من أجل عدم إصدار موقف موحّد من الاتحاد يعبّر عن رفض أوروبا للغزو الأمريكي- البريطاني للعراق.

وقد وصف الرئيس الفرنسي شيراك مواقف بولندا والدول المجاورة لها بالقول: «لقد أهدرت هذه الدول فرصة جيدة للالتزام بالصمت»، كما دفعت هذه التطورات كلاً من فرنسا وألمانيا إلى انتقاد هذه المواقف وفي طليعتها الموقف البولندي لأنهما اعتبرتا أن الموالاة الكاملة لحف الناتو يتم على حساب المصالح الأمنية لأوروبا. وأصبحت بذلك بولندا من أكبر المدافعين عن المصالح الجيواستراتيجية للولايات المتحدة، على الرغم من أنها ليست عضواً في تحالف العيون الخمس.

ويصف الباحث البريطاني دافيد دون العلاقات الأمريكية البولندية بقوله: إنها علاقات «خاصة» تضاهي في قوتها علاقات واشنطن مع بريطانيا ومع إسرائيل، فقد لعبت بولندا، بداية من السنوات الأولى من الألفية الجديدة، دور الحليف المثالي للولايات المتحدة، وخاصة أن وارسو ليست لها سوى ثقة جد محدودة في شركائها الأوروبيين وتنظر بكثير من الريبة إلى مشاريع باريس وبرلين الهادفة إلى إنشاء منظومة دفاعية مستقلة عن واشنطن، وذلك اعتماداً على رؤيتها التاريخية التي تؤكد أن القوى الأوروبية لا يمكن التعويل عليها في حال تعرضها لغزو روسي.

وهناك في السياق نفسه، سبر للآراء أجري سنة 2004 يفصح عن المزاج العام للشعب البولندي تجاه مختلف الجنسيات؛ حيث عبّر 56 في المئة من البولنديين عن محبتهم وإعجابهم بالأمريكيين، بينما عبر 60 في المئة عن نفورهم من العرب، وانقسم البولنديون بشأن الألمان بنسبة 36 في المئة من الإعجاب و38 في المئة من النفور؛ أما النفور البولندي تجاه كل ماهو روسي فليس بحاجة إلى سبر للآراء. ويمكن القول إن رهان أمريكا على بولونيا يعود إلى أن الأوروبيين باتوا مقتنعين بأن وارسو هي الممثل الأكبر للمصالح الأمريكية في القارة العجوز في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية؛ ومن ثم فإن بولندا، كما يقول المتابعون، تسمح لواشنطن بممارسة نفوذها في شرق أوروبا وغربها على حد سواء، ويمكنها أن تمنع صدور أي قرار من الاتحاد الأوروبي لا يكون في مصلحة الولايات المتحدة، كما أنها تمثل القاعدة المتقدمة لواشنطن لمراقبة ما يحدث في روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا، وذلك ما يجعل سلوكها مريباً بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2x7nym86

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"