عادي
الشارقة بيت الشعر العربي

ألف قافية تنشد للجمال والإبداع غداً

23:19 مساء
قراءة 5 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

منذ انطلاقته في عام 1997، أصبح مهرجان الشارقة للشعر العربي، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من أكبر الأحداث الثقافية في الدولة والعالم العربي، حيث صار من المنصات الكبيرة التي تتوهج بحضور الشعر والشعراء في كافة الدول العربية والإسلامية، فهو بمثابة محفل يناقش شؤون وشجون الشعر الذي ارتبط بالعرب على مر العصور والأزمان، فكان أن احتفوا به أكثر من أي نمط إبداعي آخر، ولئن كان «ديوان العرب»، قد عرف بأنه حفظ أيام وأشعار ومناسبات الأمة ومناسباتها الاجتماعية والسياسية منذ الأزل، فكان لابد من باب سداد الدين الحفاظ عليه، واستمراريته وتطوره، وذلك ما يفعله هذا المهرجان الذي هو شامة في جبين الفعل والحراك الثقافي العربي.

لعل مسألة الحفاظ على الشعر العربي، تبدو مسألة مهمة وضرورية، لكونه يحفظ الهوية والانتماء العربي، وكذلك لأن العديد من الأشكال والألوان والأنماط الإبداعية بدأت في تسيّد الساحة الثقافية العربية، ولأن للشعر مكانة خاصة كان لابد من مثل هذه المحافل التي تدعو للتمسك به من الضياع، غير أن المهرجان الذي نجح في التصدي لتلك المهمة، خطا خطوات جبارة في اتجاه تطور الشعر العربي، فلئن أفلح في استمرار القصيدة العمودية التي هي أساس الشعر القديم، فهو كذلك قد أولى اهتماماً حقيقياً بحركة التقدم والمتغيرات العصرية وروح الحداثة، حيث اهتم بالحركات والاتجاهات الشعرية الجديدة، بالتالي فإن أكثر ما يميز هذا المهرجان نجاحه في كسر نمطية وفعاليات المهرجانات الشعرية الأخرى التي تجرى هنا وهناك في دول عديدة في العالم العربي، حيث أولى مكانة للجديد، وأصبح كذلك يحتفي بأجيال الشعر من الشباب والمخضرمين على حد سواء، من خلال تكريمهم بما يدفعهم نحو مواصلة المسيرة.

الحراك النقدي

ولعل من أكثر الأشياء التي تميز هذا المهرجان، ذلك الاحتفاء الكبير بمهمة نقد الشعر العربي، والتي ظلت مهملة رغم أهميتها في النشاط الثقافي، إذ تعتبر نقطة جوهرية ورافعة لتطور وتقدم الأدب، حيث ظل المهرجان يستضيف أبرز النقاد العرب، راصداً التحولات والمتغيرات في ظل الإبداعات الشعرية الجديدة، لذلك هو يعتبر من أكبر المهرجانات الشعرية المتخصصة على المستوى العربي، فقد ظل في كل نسخة جديدة من دوراته المتوالية يستضيف عدداً كبيراً من المبدعين العرب، ويقيم الأماسي الشعرية والندوات النقدية التي تثري المشهد الإبداعي العربي.

وإلى جانب تنظيمه للعديد الأمسيات الشعرية والنقدية، ظل المهرجان يكرم الشخصيات الشعرية البارزة في المشهد الثقافي العربي، والتي لها تأثيرها في عالم الشعر، واللغة العربية الفصحى، وهو بالتأكيد ليس مناسبة لإلقاء القصائد فقط، بل ملتقى يهتم بكل مجالات الشعر، تاريخه وحاضره، وتقاليده وتياراته المتجددة، مع الحفاظ على السمات والمرتكزات الأساسية للشعر، ورعاية الموروث الشعري، الأمر الذي أسهم في إثراء الساحة بإنتاج أدبي شعري غزير ومتميز، خاصة أن المهرجان اهتم بشكل خاص بجيل الشباب وبإبداعاتهم، ودعم المواهب الشعرية الجديدة، وحرص على تكريم هذه المواهب، فهو إلى جانب تنظيمه للعديد من الأمسيات، كما حرص على مواظبة تكريم الشخصيات البارزة في المشهد الثقافي العربي، هذه الشخصيات التي لها تأثيرها في عالم الشعر، واللغة العربية الفصحى، وهو بالتأكيد ليس مناسبة لإلقاء القصائد فقط، بل ملتقى يهتم بكل مجالات الشعر العربي، تاريخه وحاضره، وتقاليده وتياراته المتجددة، مع الحفاظ على السمات والمرتكزات الأساسية للشعر، ورعاية الموروث الشعري، الأمر الذي أسهم في إثراء الساحة الشعرية بإنتاج أدبي شعري غزير ومتميز.

جائزة القوافي

أصبح المهرجان الذي نشهد انعقاد دورته التاسعة عشرة في الشارقة، من خلال استضافته لأكثر من 100 شاعر ومبدع، مقارنة بآخر دورة شهدت مشاركة 40 من الشعراء والمهتمين بالحراك الثقافي، من العلامات المضيئة والمتوهجة بالإبداع في ذاكرة الشارقة الثقافية، فهذه النسخة شاهدة على التطور الكبير للمهرجان، الذي يحتشد بالكثير من الأنشطة والفعاليات منها: تكريم شخصيتي المهرجان وهما: شيخة عبد الله المطيري من الإمارات، وحسن الزهراني من السعودية، إلى جانب تكريم الفائزين بجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي في دورتها الثانية، وهم: في المركز الأول الناقد د. فتحي الشرماني من جمهورية اليمن، عن بحثه «استراتيجية التحوّلِ الثّقافيّ في القصيدةِ اليمنية المعاصرة»، وفي المركز الثاني الناقد د. محمد الطحناوي من المملكة المغربية عن بحثه «النّقدُ القاصرُ، وصيرورةُ الإيقاعِ الشّعريّ»، في حين حلّ في المركز الثالث الناقد د. عبد الرحيم وهابي عن بحثه «أنساق التخييل في الشعر العربيّ المُعاصرِ: مُقاربة في خطابِ النّقدِ، وخطاب الشّعر»، كما ستقدم الدورة الحالية 6 كتب من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة، وسلسلة توقيعات، ومن الفعاليات المستحدثة في هذه النسخة هناك «جائزة القوافي» التي جاءت بتوجيه صاحب السمو حاكم الشارقة، تقديراً لأبرز القصائد المنشورة في مجلة القوافي خلال العام 2022، حيث تم اختيار قصيدة من كل عدد من أعداد المجلة الشهرية.

وربما من أكثر الإشراقات في المهرجان، هو الاهتمام بالجانب الفكري الذي يصب في اتجاه تطور الشعر العربي، حيث تشهد الدورة الحالية الندوة الفكرية تحت عنوان «الشعر بين التعبير والتأثير»، والتي يشارك فيها العديد من النقاد والشعراء والمفكرين في العالم العربي، إذ تعتبر هذه النسخة تتويجاً لخبرة كبيرة، تراكمت على مدى 19 عاماً في مجال الشعر العربي، حيث استضاف المهرجان منذ انطلاقته الباكرة مئات الشعراء العرب، واحتل الصدارة في الإضاءة على أبرز منجزات النقد الإبداعي الشعري، ولعل من أكبر الفوائد التي حصدها المهرجان هو تجديد الاهتمام الشعبي والجماهيري بالشعر العربي، وعودة لعلاقة كادت أن تفقد، وكان الاهتمام بالشعراء العرب وتحفيزهم ودعمهم، له دور كبير في عودة العديد منهم نحو نظم الشعر، بعد أن كادوا يتركونه بفعل مشاغل الحياة، وهو الأمر الذي أعاد البريق ل«ديوان العرب»، بعد أن كاد يتلاشى بسبب الأجناس الأدبية الجديدة، غير أن حراك المهرجان الممتد إلى خارج الدولة، أسهم في تفعيل منجز الإبداع الشعري العربي، كما أعاد لديوان العرب مكانته المركزية في قلوب العرب، ليصبح في أيدٍ أمينة.

ويحمل المهرجان الكثير من الآمال والطموحات في عودة القصيدة إلى تصدر المشهد الإبداعي العربي، وهو أهل لتلك المهمة والعمل على إنجاحها عبر الكثير من الأفكار والرؤى التي تحملها كل دورة جديدة، إلى جانب إسهامه الكبير في إعادة التواصل واللحمة بين الشعوب العربية من خلال الشعر الذي ظل يمثل حالة من الحب الفريد، حتى أصبح هذا المهرجان من دون شك، يمثل منصة جامعة بين مختلف الاقتراحات الجمالية والفكرية، وهو الذي فتح نافذة مشرعة على الإبداع العربي الشعري، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في حضور وتطور الثقافة العربية نحو آفاق جديدة عامرة بالخير والحب والجمال.

نجوم ساطعة

ظل المهرجان يعلن في كل دورة عن ميلاد نجم جديد في سماء القصيد، ولم يكتف بكونه منبراً عربياً ينقل صوت الشاعر إلى بقية البلدان العربية، ويمنح فرصة متجددة للقاء المبدعين، بل انتقل في شكله وصورته إلى محيط عربي شاسع عبر تجربة بيوت الشعر، التي انطلقت منذ أعوام في العديد من العواصم العربية، حيث ظلت تقام المناسبات والمهرجانات بصورة مستمرة في كل الدول التي تحتضن هذه البيوت، ما يؤكد أهمية المهرجان في محيطه العربي بما يرفده من حراك متجدد ومبدع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw2phszy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"