أمريكا.. مشهد «عالمثالثي»

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تنقلنا النزاعات الجارية داخل أروقة الكونغرس الأمريكي هذه الأيام، إلى الأجواء الاعتيادية في العالم الثالث، حيث يؤدي عجز وفشل السياسيين في التوصّل إلى توافقات، إلى الإضرار بمصالح الدولة، ويهشّم صورة الاستقرار، ويفتح أبواب الفوضى التي تضيع معها مصالح الشعوب، بينما يبقى السياسيون عالقون في خلافاتهم العبثية التي لا تنتهي.

لقد فشل نواب الحزب الجمهوري في انتخاب رئيس لمجلس النواب عبر سلسلة من جلسات التصويت؛ الأمر الذي يكشف حالة من الانقسام لا سابق لها في اختيار الرجل الذي سيشغل ثالث أقوى منصب في هرم السلطة الأمريكية بعد الرئيس ونائبه.

وتدور المعركة داخل الحزب الجمهوري نفسه، بينما يقف الديمقراطيون على مقاعد المشاهدين. فالجمهوريون انتزعوا المنصب الخطر بالأغلبية التي أحرزوها في الانتخابات النصفية الأخيرة. وألقت نزاعات سابقة وخلافات في المواقف والسياسات، وربما أمزجة شخصية، بظلالها على جهود المرشح الجمهوري كيفن مكارثي للحصول على فوز سريع ومريح.

فهناك أقلية صغيرة من النواب الجمهوريين بدأت تتصارع خلال جولات التصويت، وحققت نجاحاً في عرقلة طريقه نحو الفوز. وعلى خلفية المناورات داخل جلسات التصويت، ظلت الأصوات التي حصل عليها مكارثي تراوح بين 200 و201 صوت، بينما يتعين عليه الحصول على 218 صوتاً من أجل الفوز في السباق، لكن أصوات 20 نائباً متمرّداً ظلت بعيدة عن متناوله، خلال جلسات التصويت المتعددة، بينما كانت المفاوضات تجري خلف الكواليس للحصول على أكبر قدر من التنازلات من الرئيس المفترض المحاصر.

لقد فشل المجلس في الاتفاق على رئاسة مكارثي عبر أكثر من عشر جلسات تصويت، وهذه سابقة لم تحدث منذ نحو مئة عام من الديمقراطية الأمريكية. التشابه بين ما حدث في هذه الفترة، وما يحدث دائماً في حكومات العالم الثالث، يبدو أكثر وضوحاً هنا: العجز عن الاتفاق.. الفشل في احتواء الأزمات.. قلة البصيرة واستدامة الصراعات، مع التضحية بالاستقرار والأمن والاقتصاد، ومصالح البلاد وشعوبها.

والأمر الأكثر إثارة في أزمة الكونغرس، هو أن الرئيس السابق دونالد ترامب المولع بإثارة الجدل والمتاعب، كان يناشد النواب المتمرّدين التصويت لمكارثي، وإنهاء العملية بشكل سريع، حتى لا يحسب الفشل على الحزب بأكمله.

ولا شك في أن ترامب شعر بأن شغور منصب رئيس النواب ينطوي على مخاطر، من بينها عرقلة خطة الثأر من خصمه جو بايدن، ومن بينها أيضاً احتمال انتقال المنصب إلى الخصوم الديمقراطيين في حال استمرار الفشل في اختيار الرئيس الجمهوري.

لكن خسائر حالة الشلل التي فرضتها مناورات النواب خلال جلسات التصويت، وعلى كواليسها، لا تقتصر فقط على مخططات الثأر التي ينتظرها ترامب. فالنواب الجدد لن يتمكنوا من أداء اليمين الدستورية أو تسلّم مرتباتهم ما لم يتم انتخاب رئيس لمجلس النواب. كما أن حالة الجمود يمكن أن تصيب خطط الجمهوريين لتعديل مشاريع القوانين والتشريعات، والموافقة عليها، وهو ما يعني أن الجمهوريين سيُجبَرون على تأجيل أولوياتهم، والقبول بالعمل بكفاءة أقل في نهاية المطاف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4dyzwj34

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"