إمكانية تحول مناخي عادل

21:23 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

كما صار معلوماً – على ما نفترض - فإن مشكلة عدم إحراز تقدم ملموس في مفاوضات تحرير المناخ العالمي من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، تكمن في عدم استعداد الدول الأطراف في اتفاقيات المناخ (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «UNFCCC»، واتفاق باريس للمناخ)، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، لتقديم تنازلات متقابلة ومتكافئة لتحقيق هدف ال1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاق باريس.

لذلك يصعب تصور تحقيق دعم سياسي للجهود الدولية اللازمة لتحقيق انتقال مناخي عالمي سريع وعادل، لاسيما وإن هذا الدعم لن يكون حقيقياً، ما لم تقم الأطراف المعنية بالتسبب في المشكلة بتخصيص تريليونات الدولارات خصماً من إجمالي نواتجها المحلية، لتمويل عملية الانتقال الكبرى التي صار الجميع اليوم يتحدث عنها. وهذا تحدٍ لا يكترث له المناخيون الأرثوذكسيون إلا من زاوية الاكتفاء بالقول فقط بأنه رغم كبر حجم تكاليف التحول المناخي، فإنها ستبدو ضئيلة عند مقارنتها بالكلفة الباهظة لعدم التحرك في هذا الاتجاه (كلفة الفرصة البديلة في الاقتصاد). ويعودون للعزف على وتر الدعم الحكومي الذي يخصص لقطاعات إنتاج واستهلاك أنواع الوقود الاحفوري (النفط والفحم والغاز)، والذي أضافوا الى قائمته مؤخراً، الدعم الذي تتلقاه قطاعات الزراعة والغابات وإدارة المياه ومصائد الأسماك، بما

يؤدي – كما يقولون – الى زعزعة استقرار المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي. وهي نفقات يقدرونها بأكثر من 1.8 تريليون دولار سنوياً، أو نحو 2% من إجمالي الناتج العالمي البالغ 103.86تريليون منها نحو 640 مليار دولار مخصصة لدعم صناعة انتاج الوقود الأحفوري.

ويتحدثون أيضاً، عن عدم عدالة توزيع حزم الانعاش الاقتصادي إبان جائحة «كورونا»، حيث استحوذت القطاعات الأحفورية على الحصة الأعظم من الدعم الحكومي، فيما ذهب جزء يسير منها الى مصادر الطاقة النظيفة، وأن هذا ساهم في تعظيم فجوة اللامساواة، وعدم العدالة في توزيع عوائد المداخيل. ويستشهدون هنا ببعض بيانات وكالة الطاقة الدولية، منها أن الإنفاق العالمي على التعافي من جائحة «كورونا» بلغ اعتباراً من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، 16.9 تريليون دولار، خُصِّص منها نحو 2.3 تريليون دولار للاستثمارات طويلة الأجل، كان نصيب الطاقة النظيفة منها 470 مليار دولار فقط، أي نحو 3% من الإجمالي. وينسحب الأمر على حصاد الانتعاش الاقتصادي الناتج عن حقن التحفيز، حيث جاءت نتيجته غير منصفة الى حد كبير، استناداً الى ما تضمنه تقرير عدم المساواة العالمي الصادر عن مختبر اللامساواة العالمي «World Inequality Lab» في كلية باريس للاقتصاد، (يضع هذا المختبر تقديرات للدخل العالمي وعدم المساواة في الثروة بناء على أحدث النتائج التي جمعتها قاعدة البيانات العالمية لعدم المساواة»World Inequality Database – WID). إذ بيّن التقرير أن أغنى 1% من سكان العالم، استحوذوا منذ بداية الوباء، على ما مقداره الضعف من نمو الثروة العالمية، أكثر من نسبة ال 50% الأدنى. ويصل الأمر في الحد الأقصى، بحسب تقرير منظمة أوكسفام هذه المرة، الموسوم «عدم المساواة يقتل»، إلى أن «الزيادة في ثروة بيزوس، وحدها، خلال الوباء يمكن أن تغطي كلفة تلقيح جميع سكان العالم».

إنما في الحقيقة، كل هذا التنميق والتزويق اللغوي الخالط للأوراق، لم، ولن يحل مشكلة المناخ، فضلاً عن التحول المناخي العادل. فهذا هو الخطاب المغلف للأوروبيين الرسميين (البروكسليين)، الموضوع على نغمات خطابهم الحقوقي الإنساني والديمقراطي نفسها. وسوف يبقى لهواً ولغواً سياسياً ما لم يعتدل في سياقه ويلامس جوهر القضايا، لا حواشيها. وسوف يأخذ عالم الجنوب خطاب المناخيين الغربيين على محمل الجد، في حال ركز على سبيل المثال، على مسألة الإنفاق العسكري، خاصة الإنفاق العسكري الأمريكي الذي يشكل 40% من اجمالي الإنفاق العسكري العالمي البالغ 2.1 تريليون دولار، وعلى ديون الدول النامية التي تمنع التنمية المتوازنة، وعلى افلات ديناصورات قطاعَي المال وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من سداد الضرائب العادلة المستحقة على الأرباح والثروات المتراكمة التي يجنيانها من مليارات البشر عبر العالم، على مدار الساعة. لنأخذ جنوب إفريقيا كمثال فقط، فقد وعد الغربيون حكومتها بتمويل خطتها البالغة 8.5 مليار دولار، لتسريع انتقالها بعيداً عن الفحم، باتجاه الطاقة النظيفة، لكن بعد ما يقرب من سنة من المفاوضات بين حكومتها والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، التي وعدت في جلاسجو بالمساهمة في تمويل الخطة، لم تقم بالوفاء بهذا الالتزام، وهو ما فهمته إندونيسيا أيضاً. ما يدل على صعوبة المهمة الملقاة على عاتق منظمي مؤتمر الأطراف القادم في الإمارات خلال نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9h2cz3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"