العائدون إلى عصور الظلام

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

الكوكب الذي يحتوينا نحن البشر واحد، ولكنه مقسم إلى قارات وجغرافيات متنوعة، والقارات تضم دولاً مختلفة تتباين في أحجامها ومصادر ثرواتها ونظمها السياسية، والدول تضم شعوباً وقبائل وجماعات وشيعاً، وكلنا نعود إلى أصل واحد، أبناء آدم وحواء.

بمرور الزمن تباينت ألوان البشر، وتنوعت أيديولوجياتهم ومعتقداتهم وأساليب تفكيرهم، وهو ما أفرز دولاً تتطلع للمستقبل وتفكر له وتخطط من أجل حياة أفضل للإنسانية، تبحث وتنقب لأجل التعرف إلى الممكن والمأمول من أسرار الكون، ولأجل استغلال أفضل للأرض ومعرفة المزيد عن الكواكب الأخرى التي تسبح في فضاء الكون. وتقابل هذا النمط دول أخرى تغرق في الماضي، وتصّر على العودة لعصور الظلام وكأنها تعاند حركة الزمن وتقف في وجه التطور الإنساني.

النمط الأول يدعم العلم، والنمط الثاني يحاربه؛ الأول يكرم الإنسان رجلاً وامرأة، ويساوي بينهما ويدرك جوهر قول الله تعالى: «يَا أَيّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، والثاني يفرق بين الرجل والمرأة، يحاصر المرأة ويصادر حقوقها ويجردها من حقها في العلم والتفكير واتخاذ القرار، ويعاملها كمجرد مخلوق للمتعة، يتحكم فيها الرجل ويفكر بالنيابة عنها، ويقودها كما يقود الماشية التي يقتنيها أو الآلة التي يستخدمها في حياته، يرتكب ضدها كل ما ينافي جوهر الدين باسم الدين.

تحملت المرأة مسؤولية دول منذ القدم، وساهمت في خلق إمبراطوريات، وقادت جيوشاً، وصعدت إلى الفضاء، وحكمت بين الناس بالعدل، ووضعت حلولاً دبلوماسية لأزمات مستعصية، وتفوقت على رجال في إدارة دول وحكومات ومؤسسات بحثية وتربوية وشركات كبرى في أنحاء مختلفة، والمرأة في أفغانستان محرومة من الحق في التعليم الجامعي، وغير مسموح لها بتجاوز المرحلة الابتدائية، محظور عليها العمل في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية بقرارات رسمية من جماعة طالبان الحاكمة لأفغانستان، والمتحكمة في مصائر أهلها، والهادمة لمعالم تاريخها وآثار الأسبقين من شعبها.

جماعة طالبان تفرض على المرأة باسم الإسلام ما يناقض جوهر الإسلام، الذي كرّمها وأعلى شأنها وأعطاها من الحقوق ما لم تعطِها إياه شرائع أخرى، وبعد أن اتخذت الجماعة قراراتها المحاصرة للمرأة ارتفعت أصوات علماء الدين وقادة الفكر المعتدلين منددين شاجبين مبرهنين من القرآن والسنة على أن هذه القرارات خروج على الدين، وتشويه للشريعة الإسلامية. كذلك علت أصوات الحكومات الإسلامية والأصوات الأممية، مطالبة الحركة بالعودة عن قراراتها.

الحركة الحاكمة بدلاً من أن تدعم المرأة لتلعب دورها الطبيعي في نهضة البلاد والخروج بها من أزماتها المستعصية، تحاصرها وتعطل نصف المجتمع، وتستعيد زمن وأد الفتيات، وتحيي نعرات الجاهلية التي ظلت سبة في جبين إنسان ذاك الزمان البعيد.

طالبان، أصدرت أمراً لكافة المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية بعدم السماح للنساء بالعمل، وذلك بعد أيام من أمر سابق لها إلى الجامعات بمنع الطالبات من الحضور والاكتفاء بتعليم الفتيات حتى الابتدائية فقط، غير مدركة أننا في القرن الحادي والعشرين، وغير مستوعبة أن الإنسان ابن زمانه، ولا يصلح لإنسان اليوم أن يعود لعصور الظلام والجهل التي ولت من دون رجعة.

هل تتحمل حركة طالبان وحدها مسؤولية ما تمارسه من حصار للمرأة الأفغانية؟ أم أن الولايات المتحدة التي سمحت بعودة طالبان إلى حكم أفغانستان بعد احتلالها لعشرين عاماً عليها مسؤولية كبيرة؟

أمريكا مسؤولة، باعتبارها كبيرة هذا العالم، وباعتبار أنها ذهبت إلى أفغانستان لتحرير الشعب من الحكم المتطرف ثم تركته لقمة سائغة في فمه، بعد اتفاقيات وتفاهمات ووعود مزيفة من الحركة بعدم العودة إلى التشدد، ولكن يبدو أن ما تعلنه الإدارة الأمريكية يختلف عن حقيقة ما تستهدفه، ولعل مواقفها من كارثة الخريف العربي، ودعمها لاعتلاء جماعة «الإخوان» الإرهابية عرش الحكم في بعض دولنا هو ما يؤكد مساعيها لتسليم هذه الدول وغيرها إلى من يكرس التخلف بها ويعيدها إلى عصور الظلام؟ ولعل أهم إنجازات بعض دولنا خلال العقد الأخير هو نسف المخطط والتخلص من الحكم «الإخواني» المتطرف، ولعل الدرس الأفغاني يدفعنا للقضاء الكامل على مخلفات الفكر المتطرف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdd5sn6n

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"