العراق المنهوب

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

اعتادت الحكومات العراقية المتعاقبة، بث برامج «مثالية جداً» عند استلام مهامها؛ إذ إن أبرز ما تطرحه؛ محاربة الفساد والمفسدين، وحماية مقدرات البلاد من العبث، إلا أن خطوات التغيير الخجولة لم تقدم أو تؤخر إلا القليل، إما لأنها غير جدية، وإما لأن المفسدين يملكون نفوذاً، يتخطى قدرات السلطات ذاتها؛ بحيث تستسلم أمامهم.

ما يحدث في العراق، انهيار متعدد الأوجه، فهذا البلد تتغلغل فيه آفات لا حصر لها، بدءاً من نظام المحاصصة الطائفية، الذي هو مفرخة مفسدين، في ظل محاولة كل طرف الاستحواذ على أكبر كم من المقدرات، مروراً بالتدخلات الخارجية التي لها يد في أروقة صنع القرار في بغداد إلى حد بعيد؛ حيث تعمل على نهب الثروات بما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، معتمدة على ميليشيات تأتمر بأوامرها، وليس انتهاء بوجود جيش من الانتهازيين الذين يرون في قوت العراقيين، مغنماً للتكسب، إضافة إلى صراعات داخل أروقة الحكم، تمنع التقدم في أي ملف.

الحكومات العراقية المتعاقبة وآخرها التي جاءت بولادة متعسرة بقيادة محمد شياع السوداني، توعدت باستئصال شأفة الفساد، وبالفعل بدأت خطوات في هذا الاتجاه، لكن لم ترقَ إلى الحد الأدنى الذي يرغب به الشعب العراقي؛ بل إنها استخدمت اجتثاث الفساد شماعة، لإزاحة خصومها من الواجهة، عبر إلغاء تعيينات وقرارات اتُخذت سابقاً، والسعي إلى اقتلاع أقطاب الحكومة السابقة.

لكن مع ذلك، وعلى الرغم من عدم الموثوقية في القرارات المتخذة في وقف مسلسل النهب، فإن أي خطوة تقيده، تصب في مصلحة العراقيين، لأن القليل خير من العدم، والتشكيك والصراعات لا يمنعان من أن ثمة جهداً مبذولاً بحده الأدنى لا بد من دعمه، والاستفادة منه، لعله يُبنى عليه لاحقاً؛ أملاً في تطوير آليات الملاحقة، ومحاسبة من سولت له نفسه أكل الحقوق.

حكومة السوداني مدعومة بهيئة مكافحة الفساد، اتخذت خطوات لافتة في هذا الاتجاه - إذا تم النظر إليها بحسن نية - إذ أوقفت تعيينات للحكومة السابقة، قالت إنها غير شرعية، كما منعت رئيس جهاز المخابرات العراقية السابق من السفر، ضمن سلسلة من تحقيقات الفساد؛ أبرزها القضية المعروفة ب«سرقة القرن»، التي اختُلس فيها 2.5 مليار دولار، في حين شكلت هيئة عليا، للتحقيق في قضايا الفساد الإداري، تعمل تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى.

«سرقة القرن» التي أثارت ضجة كبرى، هي جزء من نصف تريليون دولار منهوبة، ليدفع هذا الفساد المهول، جينين بلاسخارت مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق إلى القول: «إن الفساد سمة أساسية في الاقتصاد العراقي، وهو جزء من المعاملات اليومية»، متهمة السياسيين بوضع البلاد ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم.

العراق بحاجة إلى هدم الأسس المهزوزة التي بنيت عليها السياسات التي تقوده حالياً، وتشييد نظام سياسي جديد، ليقودها من خلاله المخلصون، وإلا فإن بلد الحضارات لن يستيقظ من أزماته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8693ea

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"