بريطانيا ومشكلة العرض

21:21 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

فجوات التنمية كبيرة بين الدول وداخل كل دولة، والحل يكمن بتعزيز التجارة وتنشيطها. هنالك عوائق أساسية تمنع النمو من أن يكون قوياً ومعمماً، منها التضخم القوي الناتج عن ارتفاع أسعار المواد الأولية وفي مقدمتها النفط. الحرب الأوكرانية أساءت إلى مسيرة النمو العالمية في السعر والكمية. ارتفاع أسعار المحروقات يشعل أسعار كل السلع والخدمات. حتماً الخاسر الأكبر من التضخم هو الدول الفقيرة التي لم تكن حتى قبل التضخم جاهزة للنهوض والتطور. هنالك مصدر ثانٍ غير النفط أي سلاسل الإمداد التي أثرت سلباً على العرض للعديد من السلع بسبب «كورونا» ثم الحرب الأوكرانية.

هنالك نقص في المواد التي تصنع منها السلع النهائية، مما سبّب انخفاضاً في نمو العرض مقابل الزيادة الكبرى في الطلب. لذا ارتفعت الأسعار. هنالك مشكلة تتلخص في أن إنتاج سلع أساسية كالسيارات يعتمد على روابط بين عدة اقتصادات وطنية في العمالة والقطع والطاقة والإدارة والاستشارات والتسويق والنقل والخدمات وغيرها. أقسام السلع تجمع في موقع معين في الدولة النهائية. تجميع القطع التي تنتج سيارة ما يعتمد على الإمدادات السليمة من دول عدة، وبالتالي على هذه السلسلة أن تعمل بفاعلية.

من الدول التي تضررت كثيراً من إمدادات العرض بريطانيا. مشاكلها الإنتاجية مستمرة لأسباب متعددة منها البريكست؛ حيث إن انفصالها عن القارة الأوروبية أفقدها الامتداد الجغرافي الضروري للإنتاج والتسويق. أفقدها أيضاً العمالة الضرورية لإيصال السلع إلى المعامل كما الطاقة إلى محطات الوقود. بسبب البريكست ترك ألوف السائقين الأجانب أعمالهم، وعادوا إلى بلادهم؛ لعدم توفر تأشيرات العمل المناسبة التي يرغبون بها. لذا فقدت السلع من المتاجر، وتوقف إمداد محطات الوقود بالنفط.

طلبت الحكومة من الجيش إيصال النفط إلى المحطات وفعل، لكن هذه ليست حلولاً دائمة يقوم بها أي جيش في العالم. يكمن الحل في استيراد عمالة جديدة لتقود الشاحنات. أعداد المهاجرين متوفرة وينتظرون التأشيرات والعقود المناسبة. الطلب العالمي وخاصة الأوروبي على سائقي الشاحنات مرتفع جداً، ويجب فتح بعض أبواب الهجرة.

أما التضخم فيضرب بريطانيا لعدم التجانس بين الطلب والعرض، كما بسبب ارتفاع أسعار المحروقات. نضيف إليهما التباطؤ في النمو، وبالتالي الارتفاع في البطالة. خسرت بريطانيا الكثير من البريكست والعودة إلى الوحدة الأوروبية مستحيلة، خاصة أن الإقرار بالخطأ لم يتم بعد. ليس هناك ما يشير أيضاً إلى أن الأوروبيين راغبون في عودة البريطانيين إليهم، خاصة أنهم لم ينسجموا أبداً معهم. مشكلة صيد السمك هي إحدى المشاكل الجدية بين بريطانيا وفرنسا؛ حيث تقوى من حين لآخر، لكن الحل ليس سهلاً؛ لأن المصالح الاقتصادية تتداخل مع الشعور القومي والوطني.

أخيراً هنالك عدد كبير من الحاويات ينتظر في المرافئ للتفريغ. هذا ليس حال بريطانيا فقط، وإنما حال الدول الصناعية عموماً، وقد رأينا الحاويات تنتظر لفترات طويلة في مرفأ لوس أنجلوس؛ حيث طلب منه العمل 24 ساعة كي تتم المهمات.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrx5ke63

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"