عادي
عصر جديد من النمو والاستثمار العالمي المنخفض

المنتدى الاقتصادي العالمي يكشف قائمة «المخاطر العالمية 2023»

20:50 مساء
قراءة 6 دقائق
إعداد: هشام مدخنة

بشّرت السنوات الأولى للعقد الثالث من القرن الواحد والعشرين بفترة اضطراب واضحة في تاريخ البشرية. وسرعان ما عطلت الحرب في أوكرانيا محركات العودة إلى «الوضع الطبيعي الجديد» في أعقاب جائحة كورونا، ما أدى إلى سلسلة جديدة من الأزمات في الغذاء والطاقة أثارت مشاكل سعت عقود من التقدم قبل ذلك إلى حلّها. وفي مطلع العام الجديد، يواجه العالم مجموعة متنوعة من المخاطر، منها الجديدة تماماً، وأخرى مألوفة بشكل مخيف.

ويعرض تقرير «المخاطر العالمية 2023» الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي نتائج آخر مسح لتصور المخاطر العالمية، مستخدماً أطراً زمنية لفهمها.

وينظر الفصل الأول في الأثر المتصاعد للأزمات الحالية على أشد المخاطر العالمية التي يتوقع الكثيرون حدوثها على المدى القصير (سنتين). فيما يتناول الفصل الثاني مجموعة من المخاطر التي من المحتمل أن تكون الأكثر خطورة على المدى الطويل (10 سنوات)، وبينهما يستكشف التقرير المخاطر الاقتصادية والبيئية والمجتمعية والجيوسياسية والتكنولوجية الناشئة حديثاً والمتسارعة التي يمكن أن تصبح أزمات الغد. ويختتم التقرير من خلال النظر في تصورات الحالة المقارنة للتأهب لهذه المخاطر وتسليط الضوء على العوامل التمكينية لرسم مسار لعالم أكثر مرونة.

  • بين الماضي والحاضر

شهد العالم عودة مخاطر قديمة خبِرها عدد قليل من قادة الأعمال وصانعي السياسة من هذا الجيل، كالتضخم، وأزمات كلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة، إضافة إلى الاضطرابات الاجتماعية المتفشية، والمواجهة الجيوسياسية، وشبح الحرب النووية. لكن الأمور تفاقمت من خلال التطورات الجديدة والحديثة نسبياً، في مشهد المخاطر العالمية، بما في ذلك المستويات غير المستدامة للديون، وعصر جديد من النمو والاستثمار العالمي المنخفض، فضلاً عن تراجع العولمة والتنمية البشرية بعد عقود من التقدم، والضغط المتزايد لتأثيرات وطموحات تغير المناخ في نافذة تتضاءل باستمرار للانتقال إلى عالم 1.5 درجة مئوية. وفي المحصلة، تقاربت هذه العناصر لتشكل مجتمعة عقداً فريداً مقبلاً، مضطرباً وخالياً من أي نوع من أنواع اليقين.

وفي ما يلي أبرز النقاط الرئيسية للتقرير:

رجح تقرير المخاطر العالمية أن يتسم العقد المقبل بأزمات بيئية ومجتمعية مدفوعة بالاتجاهات الجيوسياسية والاقتصادية الكامنة، وهيمنت أزمة كلفة المعيشة المستمرة على أكثر المخاطر تصنيفاً خلال العامين المقبلين، وستبلغ ذروتها على المدى القصير، ما يهدد بتقليل أولويات المخاطر الأخرى.

بدورها، حذرت سعدية زهيدي، المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي، من أن المناخ والتنمية البشرية يجب أن يكونا أيضاً في صميم اهتمامات قادة العالم، حتى وهم يكافحون الأزمات الحالية. والتعاون هو السبيل الوحيد للمضي قدماً.

ويُنظر إلى «فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام الإيكولوجي» على أنه أحد أسرع المخاطر العالمية تدهوراً على مدار العقد المقبل. فيما برزت مخاطر «المواجهة الجيو-اقتصادية» في أعلى 10 تصنيفات على المديين، القصير والطويل، إضافة إلى «تآكل التماسك الاجتماعي والاستقطاب المجتمعي»، إلى جانب «انتشار الجريمة الإلكترونية وانعدام الأمن السيبراني»، و«الهجرة القسرية واسعة النطاق».

  • أزمات الغذاء والوقود

توسع تأثير الأزمات المتفاقمة عبر المجتمعات، وأضرت بسبل عيش قطاع أوسع بكثير من السكان، وتزعزع استقرار اقتصادات أكثر في العالم، مقارنة بالمجتمعات الضعيفة تقليدياً والدول الهشة. وبناء على المخاطر الأعلى تصنيفاً المتوقع أن تؤثر في عام 2023، بما في ذلك «أزمة إمدادات الطاقة والغذاء»، و«ارتفاع التضخم»، بدأ الشعور بأزمة كلفة المعيشة العالمية يزداد بالفعل.

وتواجه الكثير من البلدان منخفضة الدخل أزمات متعددة، منها الديون وتغيّر المناخ والأمن الغذائي. وقد أدت الضغوط المستمرة على جانب العرض إلى المخاطرة بتحويل أزمة كلفة المعيشة الحالية إلى أزمة إنسانية أوسع نطاقاً خلال العامين المقبلين في العديد من الأسواق المعتمدة على الاستيراد.

ولن يتم احتواء الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي المرتبطة بها في الأسواق الناشئة بسهولة، حيث تستمر الضغوط الاقتصادية في تفريغ شريحة الدخل المتوسط. ومع أزمة تمويل القطاع العام والمخاوف الأمنية المتنافسة، تتقلص القدرة على استيعاب الصدمة العالمية التالية. ويقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أنه على مدى السنوات العشر المقبلة، سيكون لدى عدد أقل من البلدان المجال المالي للاستثمار في النمو المستقبلي والتقنيات الخضراء والتعليم والرعاية وأنظمة الصحة.

الصورة

 

  • تضخم وركود وفائدة

قد تواجه الحكومات والبنوك المركزية ضغوطاً تضخمية عنيدة على مدار العامين المقبلين، على الأقل بالنظر إلى احتمالية نشوب حرب طويلة الأمد في أوكرانيا، واستمرار الاختناقات من الوباء المستمر، والحرب الاقتصادية التي تفاقم أزمة سلسلة التوريد، كما تلوح في الأفق مخاطر سلبية على التوقعات الاقتصادية. وسيؤدي سوء التقدير بين السياسات النقدية والمالية إلى زيادة احتمالية حدوث صدمات في السيولة، ما يشير إلى استمرار الانكماش الاقتصادي وضيق الديون على نطاق عالمي. ويمكن أن يؤدي استمرار التضخم المدفوع بالعرض إلى تضخم مصحوب بركود ذي عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.

وحتى لو تعرضت بعض الاقتصادات لهبوط اقتصادي أكثر ليونة من المتوقع، فإن نهاية حقبة أسعار الفائدة المنخفضة ستكون لها تداعيات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد. وستشعر الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع والدول الهشة بالآثار غير المباشرة بشكل أكثر حدة من قبل، ما يساهم في زيادة الفقر والجوع والاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي.

  • انتقال الطاقة

تحدث خبراء من المنتدى الاقتصادي العالمي، حول كيف يمكن للتكنولوجيا والابتكار في الاقتصاد الدائري والموارد والطاقة والتكيف مع المناخ والأمن السيبراني والقطاع الصحي، تغيير النماذج للمساعدة في حرف الأمور نحو النمو والمرونة في عام 2023.

ويرى روبرتو بوكا، عضو اللجنة التنفيذية، رئيس الطاقة والمواد والبنية التحتية في المنتدى، أن الطاقة هي اللبنة الأساسية للاقتصاد العالمي، وعلى هذا النحو، أجبرتنا الأزمة على إعادة التفكير بشكل أساسي، في الطريقة التي ننتجها ونقدمها ونستهلكها. ومع ذلك، فإن معالجة الوضع الراهن وتقديم جميع الأبعاد الثلاثة للاستدامة والأمن والقدرة على تحمل التكاليف مهمة شاقة ومعقدة للغاية، تدعمها وتتشابك معها العديد من التحديات. والوقت يمضي، ويتطلب الأمر تغييرات كبيرة على الفور. ويجب أن يتم الاستثمار والانتقال والنشر على نطاق واسع بحلول عام 2030 بطريقة ربما لا مثيل لها في أي تحول عالمي آخر.

  • التكنولوجيا وتفاقم عدم المساواة

سيكون قطاع التكنولوجيا من بين الأهداف المركزية لسياسات صناعية أقوى، وتدخل حكومي معزز، سياسات مدفوعة بالمساعدات الحكومية والإنفاق العسكري، فضلاً عن استمرار الاستثمار الخاص والبحث والتطوير في التقنيات الناشئة على مدار العقد المقبل، ما يؤدي إلى اختراقات في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية، من بين تقنيات أخرى.

وبالنسبة للبلدان التي تستطيع تحمّل تكاليفها، ستوفر هذه التقنيات حلولاً جزئية لمجموعة من الأزمات الناشئة، لكن بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون، سوف تنمو اللامساواة والاختلاف. وفي جميع الاقتصادات، تجلب هذه التقنيات معها المخاطر أيضاً، من توسيع نشر المعلومات المضللة إلى التغيير السريع بشكل لا يمكن السيطرة عليه في وظائف ذوي الياقات الزرقاء والموظفين.

ومع ذلك، فإن التطور السريع ونشر التقنيات الجديدة بحد ذاته، يشكل مجموعة من المخاطر الخاصة، كالتهديدات المحلية المباشرة، وارتفاع معدلات الجريمة السيبرانية، وإساءة استخدام المعلومات الشخصية من خلال الآليات القانونية المشروعة، ما يضعف السيادة الرقمية الفردية والحق في الخصوصية، حتى في الأنظمة الديمقراطية المنظمة جيداً.

  • تغير المناخ والتكيف معه

تعد المخاطر المناخية والبيئية محوراً أساسياً لتصورات المخاطر العالمية على مدى العقد المقبل، وهي المخاطر التي يرى المنتدى أنها الأقل استعداداً لمواجهتها من قبل العالم. وكشف الافتقار إلى تقدم عميق ومنسق بشأن الأهداف المناخية عن الاختلاف بين ما هو ضروري علمياً لتحقيق صافي صفر، وبين ما هو ممكن سياسياً. وستؤدي الطلبات المتزايدة على موارد القطاعين، العام والخاص، من الأزمات الأخرى إلى تقليل سرعة وحجم جهود التخفيف على مدى العامين المقبلين، إلى جانب عدم كفاية التقدم نحو دعم التكيف المطلوب لتلك المجتمعات والبلدان التي تتأثر بشكل متزايد بآثار تغير المناخ.

إن فقدان الطبيعة وتغيّر المناخ مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وأي فشل في أحد المجالين سوف ينتقل إلى الآخر. ومن دون تغيير أو استثمار كبير في السياسة، سيؤدي التفاعل بين تأثيرات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والأمن الغذائي واستهلاك الموارد الطبيعية إلى تسريع انهيار النظام البيئي، وتهديد الإمدادات الغذائية وسبل العيش في الاقتصادات المعرضة للمناخ المتطرف، وتضخيم آثار الكوارث الطبيعية، والحد من جهود التقدم لتخفيف حدتها.


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr4bzffp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"