الإمارات وسوريا.. سياسة متعددة الأبعاد

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول

ثمة أبعاد متعددة للسياسة الإماراتية تجاه سوريا، أبانت عنها زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى دمشق، في 4 يناير الجاري، والتي تمت بعد شهور من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لأبوظبي في مارس من العام المنصرم. وهذه الأبعاد المتعددة منها ما هو قومي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما يتعلق بالسياسات الإقليمية.

وقبل تحليل هذه الأبعاد، تجدر الإشارة إلى أنه بعد إسهامها البارز في الائتلاف الدولي لمواجهة داعش في سوريا في سبتمبر 2014، والدور «الرائد» الذي قامت به مقاتلاتها في استهداف مواقع التنظيم الإرهابي هناك، أعادت دولة الإمارات هيكلة سياستها الخارجية تجاه سوريا، التي كانت مقطوعة منذ فبراير 2012. وكانت البداية بزيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد لسوريا، وإعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018. ومنذ ذلك الحين، وكما يقال، جرت مياه كثيرة من تحت الجسور، جعلت القيادة السياسية في الدولتين تسعى إلى إعادة العلاقات بينهما إلى سيرتها الأولى.

ويتعلق البعد القومي للسياسة الإماراتية تجاه سوريا بإعادة الأخيرة إلى الحاضنة العربية، حتى لا تشرد بعيداً عن السرب العربي، وتتخطفها قوى إقليمية معادية. والحق أن دولة الإمارات هي أكثر الدول العربية دعماً لاستئناف سوريا عضويتها «المُعلقة» في الجامعة العربية. وربما تؤتي الجهود الإماراتية المنسقة أُكلها في القمة العربية القادمة بالرياض. كما أن الإمارات كونها قوة معيارية تسعى إلى الحفاظ على سيادة سوريا وتكاملها الإقليمي، واستقرارها. ففي لقائه الرئيس السوري، أكد سمو الشيخ عبدالله «التزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا الشقيقة، ويلبي تطلعات الشعب السوري الشقيق في التنمية والتطور والرخاء».

ولا ننسى أن زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد الأخيرة إلى دمشق تزامنت مع هجوم صاروخي إسرائيلي على مطار دمشق راح ضحيته عدد من القتلى والجرحى، ومع تولي أكثر الحكومات تطرفاً بقيادة نتنياهو الحكم في إسرائيل. بعبارة أخرى، تحمل هذه الزيارة مضموناً تضامنياً مع سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية عليها، والتي دانتها دولة الإمارات.

أما ما يتصل بالبعد السياسي، فتريد الإمارات تأكيد الحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية، لأن الموجه الرئيسي للتحركات الخارجية الإماراتية هو خدمة مصالحها الوطنية. وبرغم عدم رضا الولايات المتحدة عن إعادة تطبيع العلاقات الإماراتية مع سوريا، بل وتحذيرها من ذلك، تمضي الإمارات في طريقها، ليس بغرض المكايدة مع الولايات المتحدة، وهي الشريك الاستراتيجي الأول للدولة، ولكن بغرض خدمة مصالحها الوطنية.

ويقودني ذلك إلى الحديث عن آفاق المصالح الاقتصادية الهائلة لدولة الإمارات في سوريا عندما تتم تسوية أزمتها السياسية، وتتصل بمشروعات إعادة الإعمار، وفرص الاستثمارات، وإمكانيات مضاعفة التجارة البينية وغيرها.

وفيما يتعلق بالأبعاد الإقليمية للسياسة الإماراتية تجاه سوريا، هناك أولاً السعي الإماراتي الحثيث لتخفيف التوترات وتحقيق الاستقرار الإقليمي للتفرغ للوفاء بتطلعات الشعوب إلى التنمية المستدامة والرخاء الاقتصادي. وهناك القلق الإماراتي والخليجي من تنامي النفوذ الإيراني في سوريا، وما يرتبط به من زيادة وجود ميليشيات حزب الله وغيره من الميليشيات في الأراضي السورية.

وفي هذا الخصوص، تلعب الإمارات دوراً مهماً، بالتعاون مع روسيا، في الوساطة بين تركيا وسوريا، بهدف تطبيع العلاقات بن الطرفين، ومن ثم القضاء على أهم بؤر التوتر الإقليمي. وربما تكون أهم معالم الصفقة التي أخذت في الاتضاح أن تتعهد سوريا بمنع القوى الكردية في الشمال، المنضوين تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، من إقامة منطقة حكم ذاتي في الأجزاء الشمالية من البلاد التي يسيطرون عليها حالياً، كجزء من أي اتفاق سلام مستقبلي، مقابل تطبيع العلاقات بين الطرفين. وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى اللقاء الذي جمع أواخر الشهر المنصرم في موسكو وزيري الدفاع السوري والتركي، وكان أول لقاء رسمي يعقد على مستوى وزاري بين البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية. وقد ألمح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخراً إلى إمكانية لقاء نظيره السوري «من أجل ضمان السلام في سوريا».

والخلاصة أن سياسة الإمارات تجاه سوريا هدفها تحقيق مصالحها الوطنية، والوفاء بمتطلبات دورها كقوة معيارية تنشد تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4yfjrfhj

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"