تطور مقلق.. ضريبة كربون أوروبية جديدة

22:50 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

توصلت بلدان الاتحاد الأوروبي (المفوضية والبرلمان معاً) الثلاثاء 20 كانون أول/ ديسمبر 2022، إلى اتفاق سياسي لإقرار قانون يقضى بفرض ضريبة كربون (Carbon tax) على واردات الاتحاد الأوروبي من السلع التي يصنفها على أنها ملوِّثة، مثل الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والألمنيوم والكهرباء، وكذلك الهيدروجين المستورد؛ وذلك بهدف دفع الصناعات الأوروبية للتخلص من الكربون. بموجب القانون، سوف يُطلب من الشركات التي تستورد هذه السلع إلى البلدان الأعضاء، شراء شهادات لتغطية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنفثها هذه السلع. وسيُطبق القانون أيضاً على الشركات الخارجية والصناعات المحلية في الاتحاد الأوروبي - والتي تتطلب بالفعل شراء تصاريح من سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي عندما تتسبب في التلوث.

محمد شحيم، الهولندي من أصل مغربي، مقرر آلية تعديل حدود الكربون والمفاوض الأول لإقرار القانون، أكد بأن الضريبة الجمركية الكربونية، «هي الآلية الوحيدة التي لدينا لتحفيز شركائنا التجاريين لإزالة الكربون من صناعاتهم الكربونية». لكن الهدف الحقيقي من وراء هذا التدبير، هو اللجوء لأدوات السياسة المالية (Fiscal policy)، لتحصيل أموال لموازنات الدول الأعضاء بعد أن أعيتها كل حيل معالجة عجوزاتها المزمنة؛ وكذلك محاولة إنقاذ الصناعة الأوروبية من التدهور جراء منافستها من قبل سلع أرخص مصنوعة في بلدان ذات قواعد بيئية مرنة.

القانون سيتم تطبيقه اعتباراً من 1 أكتوبر 2023، مع فترة سماح انتقالية سيتعين على المستوردين خلالها الإبلاغ عن مستوى انبعاثاتهم، لكن من دون فرض ضرائب عليهم. ستستمر فترة السماح حتى عام 2027، بحسب ما رشح من الاجتماع الثاني المشترك (للمفوضية والبرلمان) الذي عقد الأحد 18 كانون أول/ ديسمبر 2022، تحت عنوان «إصلاح سوق الكربون» في الاتحاد الأوروبي. حيث سيتعين على نحو عشرة آلاف محطة طاقة ومصنع شراء تصاريح ثاني أوكسيد الكربون، عندما تتسبب هذه المنشآت بإحداث تلوث. على أن يلغي (الاتحاد الأوروبي) تدريجياً (على مدار الفترة من 2026 إلى 2034) هذه التصاريح التي يمنحها مجاناً، حالياً، للصناعات لحمايتها من المنافسة الأجنبية. بموازاة ذلك، سوف يُطلِق الاتحاد الأوروبي بحلول 2027، سوقاً جديدة للكربون تغطي مورِّدي الوقود المستخدم في السيارات والمباني، والذي يتسبب في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

الضريبة، بما هي ضريبة جمركية تفرض على الواردات، وليست ضريبة محلية تتصل بسيادة وحق الدولة في استخدام إحدى أدوات سياستها المالية (الضرائب في هذه الحالة)، فهي تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية التي تمنع أي إجراءات معيقة للتجارة، حتى لو بررت مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل فرضها بحجج تحقيق أهداف بيئية ومناخية لم يجرِ الاتفاق بشأنها ضمن قنوات مفاوضات منظمة التجارة العالمية. لذلك احتجت عليها الدول النامية التي ستتضرر منها صادراتها لأسواق الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الهند والبرازيل والصين وجنوب إفريقيا، أهم أطراف وشركاء مفاوضات المناخ، وأدرجوا الضريبة ضمن «الحواجز الجمركية»، واعتبروها «تمييزية» وتتعارض مع مبادئ الإنصاف، وتحديداً مع مبدأ «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة والقدرات المتفاوتة» المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، واتفاق باريس لتغير المناخ.

ولا يفترق القانون عن نظام العقوبات الأوروبي، حيث يتم إعفاء الدول التي تلتزم بها، وتطبيقها على الدول التي لا تلتزم بها. حيث يطرح القانون إمكانية إعفاء الدولة التي تقوم بتطبيق سياسة مناخية مماثلة للسياسة الضريبية المناخية الأوروبية، مثل أمريكا وأوكرانيا وتركيا التي هي بصدد وضع آليات تسعير للكربون لتجنب فرض ضرائب على صادراتها إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.

ذاك قرار أصدره برلمان أوروبي لا سلطة له على الحكومات الأعضاء. فقبل نحو 10 أيام من القرار كانت الحكومة الألمانية قد وضعت خططاً لدعم ما لا يقل عن 10 مشاريع أجنبية للوقود الأحفوري تزيد قيمتها على مليار يورو، على الرغم من تعهد ألمانيا سابقاً بإنهاء التمويل الدولي للفحم والنفط والغاز. أكد ذلك وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والعمل المناخي أودو فيليب خلال مناقشة برلمانية. الأمر يتعلق بتقديم ضمانات ائتمان مالية لمشاريع الطاقة الأحفورية في البرازيل والعراق وأوزبكستان وجمهورية الدومينيكان وكوبا؛ بواقع 419 مليون يورو (حوالي 40%) لمشروع واحد في البرازيل، فيما سيخصص 340 مليون يورو لثلاثة مشاريع في العراق وأربعة في كوبا!

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdcr3kfa

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"