عادي

الاكتئاب.. وداعاً للاستمتاع بالحياة

23:07 مساء
قراءة 6 دقائق

تحقيق: راندا جرجس
الاكتئاب من المشكلات الشائعة التي يعانيها نحو 280 مليون شخص في العالم، بنسبة 5.0 % من البالغين، و5.7 % من الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة، ويستهدف النساء أكثر من الرجال، ويحظى هذا المرض بالأولوية في برنامج منظمة الصحة العالمية الخاص بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية نظراً للآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية التي يسببها كتقلبات المزاج المعتادة والانفعالات العابرة إزاء تحديات الحياة اليومية، وتأثر الأداء في العمل والمدرسة والأسرة، وربما تتفاقم الأعراض وتؤدي إلى الانتحار الذي يصنف في المرتبة الرابعة ضمن الأسباب الرئيسية للوفاة، في الفئة العمرية التي تتراوح بين 15 و29 سنة.

يُعد الأطفال الذين يتوارثون الاكتئاب من الجينات الوراثية للأب أو الأم هم الأكثر عرضة لهذا المرض النفسي في مرحلة ما من حياتهم، كما تلعب العوامل الاجتماعية والبيئية المحيطة دوراً هاماً في الإصابة، كالتفكك الأسري وعدم التفاهم ومشكلات الطلاق، التعنيف المستمر وعدم الدعم، التهميش أو التنمّر في المدرسة وبين الأصدقاء أو التحرش، أو التعلق الزائد بالوالدين وعدم القدرة على الانخراط في المجتمع الخارجي، وفقاً للدكتورة ريم الجيلي استشارية الطب النفسي، بالإضافة إلى بعض الأمراض، مثل: التوحد، والغدة الدرقية التي ترتبط بشكل وثيق بالأمراض النفسية وداء السكري.

تلفت د.الجيلي إلى أن الصغار في الأعمار المبكرة أقل عرضة للاكتئاب مقارنة بالمراهقين، وهم لا يجيدوا التعبير عن مشاعرهم، ولذلك فإن تعرضهم للعصبية أو الضرب من أخواتهم أو أقرانهم، يؤثر سلباً فيهم، وبالتالي تكون هناك ردة فعل تتمثل في: كثرة البكاء، تغير السلوك وطبيعة التصرفات بشكل عام، الإحساس بالقلق، قلة الأنشطة اليومية، العزوف عن تناول الطعام، وفي حال زادت حدة هذه الأعراض ومدتها عن أسبوعين يمكن تشخيصها بالاكتئاب.

الصورة

تأهيل نفسي

تشير د.الجيلي إلى أن خطة علاج الاكتئاب تختلف من مريض لآخر بما يتناسب مع الحالة والأعراض، وتوصف العقاقير بحسب السن، كما تساهم جلسات التأهيل النفسي، وتمارين الدعم النفسي، والعلاج السلوكي والمعرفي، في تجاوز هذه المرحلة، وتجدر الإشارة إلى أن معدل تكرار الأعراض يتسبب في ارتفاع معدل الإصابة لدى الأطفال مع مراحل العمر، وتتمثل طرق الوقاية في احتواء الأبناء، والحرص على وجود لغة الحوار أثناء المناقشة فيما يخصهم، وإحاطتهم بالاهتمام والدعم اللازم، وتجنب تعرضهم للضغوط المختلفة قدر الإمكان.

إصابة المراهقين

يقول د. مايكل عوض أخصائي الطب النفسي، إن الاكتئاب عند المراهقين يحدث نتيجة لأسباب بيولوجية وجينية ناجمة عن خلل ونقص مواد كيميائية بالجسم، كالسيريتونين والدوبامين والأدرينالين المسؤول عن الشعور بالسعادة، أو التعرض للعنف الجسدي أو اللفظي المستمر، أو الاضطرابات الأسرية وانفصال الأبوين، أو فقدان شخص عزيز.

يلفت د.عوض إلى دور بعض العوامل الأخرى التي يتعرض لها المراهق في زيادة فرصة الإصابة بالاكتئاب، مثل التنمّر المستمر، المقارنة بالآخرين، زيادة الوزن المفرطة، العزلة المستمرة واستبدال العلاقات الاجتماعية مع الأشخاص المحيطين، بالعلاقات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، إدمان الألعاب الإلكترونية على الإنترنت، وتشير الدراسات إلى أن قضاء أوقات العطلة في استخدام هذه الأجهزة يزيد من تعرض الأبناء أيضاً لإيذاء النفس والانتحار، والتدهور الدراسي، وحدوث اضطرابات في سمات الشخصية.

يشير د.عوض إلى أهمية التشخيص المبكر في علاج الاكتئاب لدى المراهقين، عن طريق مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي، وعدم تجاهل الأعراض التي يمكن أن يعانيها الابن أو الابنة، حيث إن احترام الاحتياجات النفسية أولى خطوات الشفاء، وتختلف طرق التداوي بحسب الأعراض وشدتها، وتتمثل في وصف الأدوية، لتعويض نقص مادة السيريتونين والدوبامين والأدرينالين، تغيير نمط الحياة وممارسة الرياضة وتنظيم التغذية الصحية، العلاج المعرفي السلوكي بالجلسات النفسية، والحصول على الدعم من الأهل والمدرسة لتعزيز الثقة في النفس.

تأثير الأجهزة الحديثة

أكدت العديد من الدراسات أن زيادة استخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة ترتبط بمشاعر الوحدة والاكتئاب، ويتسبب الإفراط في قضاء الوقت عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي في فقدان التفاعلات الاجتماعية وعدم تطوير العلاقات مع الآخرين، وفقاً للدكتورة عارفة بنوخان اخصائي علم النفس العيادي.

وتضيف: يؤدي الاستخدام المتكرر للأجهزة الحديثة إلى الأرق واضطرابات النوم، حيث إن الضوء الأزرق المنبعث منها يحد من إنتاج هرمون الميلاتونين الذي يتحكم في دورة النوم والاستيقاظ، ما يؤثر سلباً في مستويات الناقلات العصبية والدماغ والتفكير.

الصورة

ضغوط اجتماعية

يرى. محمد عبد البديع أخصائي الطب النفسي أن الأشخاص في المراحل المبكرة للبلوغ، والنساء بعد الولادة، والعادات غير الصحية والتلوث البيئي والتدخين والمخدرات لها دورٌ في انتشار الاكتئاب بين أفراد المجتمع، وتساهم أيضاً الضغوط الاجتماعية والنفسية والجسدية المزمنة في ظهور الأعراض وتفاقمها إلى حد كبير.

ويضيف: الأعراض النفسية المصاحبة للاكتئاب تشمل تقلبات الشهية، اضطرابات النوم، الآلام المزمنة والصداع وقلة النشاط، انعدام الثقة بالنفس، الرغبة في الانعزال وقلة الرغبة في التواصل الاجتماعي، تدني في الإنتاجية المعتادة، ما يؤدي إلى عدم القدرة على العمل أو الدراسة، وربما تتطور علامات المشكلة لتصل إلى الشعور بالذنب وعدم الأحقية في الحياة، والرغبة في إيذاء النفس أو الانتحار.

يلفت د.عبد البديع إلى أن البقاء على تواصل مع أفراد الأسرة وإظهار القدرة على الدعم وتجنب النقد بشكل مستمر يشجع المريض على طلب المساعدة في الوقت المناسب، ويزيد من فرصة الاكتشاف المبكر للاكتئاب ويساهم تشجيع الأسرة للمريض على طلب المشورة الطبية المتخصصة، وتخطي عقبة الوصمة الخاصة بالمرض النفسي والتعافي السريع، ومنع تفاقم العلامات الأكثر خطورة، ولا بد من المتابعة والإشراف الكافي لضمان عدم الانتكاس.

وينصح د.عبد البديع بتقديم المساعدة والاستماع بإنصات وتفهم مشاعر مريض الاكتئاب، وتجنب اللوم أو لغة الأمر أو الحكم قبل إبداء التفهم والتضامن مع الشخص المصاب، واستخدام أسلوب التشجيع والتحفيز الإيجابي، والتحلي بالصبر عند التعامل معه، وتجدر الإشارة إلى أن برامج التوعية عن مشكلات الصحة النفسية، والخدمات الطبية لمعالجة هذه الحالات تتوفر الآن وبشكل فعال أكثر من السابق.

كبار السن

يتعرض الإنسان مع التقدم في العمر إلى مشاكل صحية ونفسية، وعلى الرغم من انتشار الاكتئاب في هذه المرحلة، إلا أن بعض الحالات يمكن أن يتم تشخيصها بالخطأ بهذا المرض، في حين أنهم في بداية الإصابة بالخرف، وخاصة مع تشابه الأعراض كفقدان القدرة على التركيز وضعف الذاكرة، بحسب د. رياض خضير استشاري الطب النفسي.

ويضيف: يمكن أن تنجم حالات الاكتئاب عن تناول بعض الأدوية المعالجة للمشكلات البدنية، كما تؤدي بعض الأمراض المزمنة إلى الإصابة، مثل: اضطرابات القلب، الأورام، وضغط الدم، مرض الشلل الرعاشي، السكتة الدماغية، داء السكري، والخرف، ولذلك لا يمكن اعتماد التشخيص السليم قبل مرور فترة كافية لظهور الأعراض.

ويشير د.خضير إلى أن أسباب الاكتئاب عند كبار السن تختلف من شخص لآخر، فربما ينجم عن الحزن لفترات طويلة بسبب المرض أو فقدان الأشخاص القريبين، ونوبات البكاء والشعور بالعجز عند عدم القدرة بأداء الأنشطة الحركية أو خدمة نفسه، المشكلات الصحية في مناطق الجسم، ويصاحب هذه الحالات بشكل عام اضطرابات النوم، القلق، عدم الرغبة في الاختلاط مع الآخرين، فلا يعود يستمتع في الجلوس مع الأصدقاء في المقهى أو في المنزل أو التسوق، وتشمل طرق المعالجة وصف أدوية محددة بما يتناسب مع حالة المريض، ولفترة مؤقتة حتى يعود للحياة الطبيعية وممارسة الأنشطة، ويمكن تلقي الدعم النفسي من العائلة والمحيطين والمتخصصين.

إشارات تحذيرية

يُعد الاكتئاب أحد المؤشرات الرئيسية التي تسبق القدوم على الانتحار، وخصوصاً لدى فئة المراهقين، وقد أشارت إحصائيات ودراسات نظام مراقبة مخاطر السلوك للشباب، إلى إن 4 من كل 5 مراهقين ممن حاولوا الانتحار، تظهر لديهم إشارات تحذيرية واضحة قبل إقبالهم على تغيرات واضحة في سلوكياتهم قبل إقبالهم على إنهاء حياتهم، وتشمل الدلالات التحذيرية: الانطوائية والعزلة والابتعاد عن الناس، إهمال ترتيب وتنظيم الحياة الشخصية، التعبير عن الشعور باليأس، وإبداء مظاهر السلوك التدميري الذاتي.

علاج الاكتئاب يغير بنية الدماغ

أثبت بحث ألماني جديد عكس ما كان يعتقد العلماء منذ عقود بأن بنية الدماغ عند البالغين ثابتة ولا تتغير بسرعة، إذ وجدوا أن علاج مرضى الاكتئاب يمكن أن يزيد من الاتصالات العصبية والتفاعلات بين الخلايا والروابط التشريحية بين أجزاء في الدماغ.

وقد درس الباحثون أدمغة 109 مرضى يعانون اضطراباً اكتئابياً، وقارنوها مع أدمغة 55 شخصاً طبيعياً، حيث صوروا أدمغتهم باستخدام الرنين المغناطيسي لمعرفة أجزاء الدماغ التي تتصل مع بعضها بعضاً لتحديد مدى الاتصال العصبي في الدماغ. وعالج الباحثون مرضى الاكتئاب باستخدام الصدمات الكهربائية، أو بالعلاج النفسي، أو بالأدوية، أو بدمج أكثر من طريقة للتداوي، ثم أعادوا تصوير أدمغتهم ودراسة الترابط العصبي فيها بعد العلاج، وإعادة تقييم أعراض الاكتئاب مرة أخرى، وقال البروفيسور ريبل: «إنهم وجدوا أن علاج الاكتئاب غيّر بنية الدماغ، وهو ما يعارض كل التوقعات السابقة، إذ إن المرضى الذين تلقوا العلاج أظهروا عدداً أكبر من الاتصالات العصبية عما كان لديهم قبل البدء به».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p82j73n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"