الترامبية باقية

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

أظهرت عملية انتخاب رئيس مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي، الأسبوع الماضي، أن «تأثير ترامب» يظل موجوداً، بغض النظر عن القضايا التي يواجهها، وقد تعرقل إمكانية ترشحه للرئاسة العام المقبل. فالعملية التي لا تستغرق يوماً استغرقت أسبوعاً، وكادت تستمر أطول بسبب مجموعة من أقصى اليمين في الحزب الجمهوري المعارض بقوة للرئيس السابق دونالد ترامب.

عادة ما يتم انتخاب رئيس المجلس بسرعة، ويكون المرشح الرئيسي للحزب الفائز بأغلبية في الانتخابات. وبعد انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس نهاية العام المنصرم، فاز الحزب الجمهوري بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، وحافظ الحزب الديمقراطي الحاكم على الأغلبية الضئيلة في مجلس الشيوخ. وكان الطبيعي اختيار زعيم الأقلية الجمهورية السابق في مجلس النواب، كيفن مكارثي، رئيساً لمجلس النواب خلفاً للرئيسة الديمقراطية للمجلس نانسي بيلوسي.

لكن مكارثي احتاج لإعادة التصويت 15 مرة حتى حظي بالعدد الكافي لانتخابه. واحتاج الأمر إلى مناشدة ترامب أنصاره من النواب الجمهوريين ألا يصوتوا ضده، رغم أنه معروف أن الرجل من أنصار ترامب أيضاً. لكن موقف مكارثي المتردد قليلاً خلال اقتحام الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 جعل نحو 20 نائباً من «المستقتلين من أجل ترامب» يصوتون ضده. واضطر لعقد صفقات ترضية وتقديم تنازلات ووعود حتى تم انتخابه.

تلك الوعود تعني أن مكارثي سيقود مجلس النواب بطريقة «ترامبية» إلى حد ما، تجعل النصف الثاني من رئاسة الديمقراطي جو بايدن في غاية الصعوبة. والبند الأول للجمهوريين سيكون عرقلة الدعم الأمريكي اللامحدود لكييف الذي يطيل أمد الحرب الروسية في أوكرانيا.

ليس هذا فحسب، بل إن كل القضايا التي يعارضها الديمقراطيون من زيادة الإنفاق وفرض الضرائب وغيرها والتي تمكن الديمقراطيون من تمرير بعضها في العامين الماضيين مع سيطرتهم على البيت الأبيض والكابيتول، لن تمر بسهولة.

هكذا، وفي الوقت الذي يسعى الديمقراطيون لأن تتم محاكمة ترامب جنائياً لمسؤوليته عن أحداث 6 يناير 2021 وقضايا الفساد المالي التي تطال شركاته ومؤسساته، يظل ترامب فاعلاً ومؤثراً داخل مؤسسات السلطة.

وسواء ترشح ترامب عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة لمنافسة جو بايدن الساعي لفترة رئاسة ثانية، أو أي مرشح آخر يختاره الديمقراطيون، فهو عائد بقوة إلى الساحة السياسية. على الأقل خلال فترة الانتخابات التمهيدية التي يختار فيها الحزبان مرشح الرئاسة، وما بعدها، إذا فاز بترشيح الحزب الجمهوري.

وحتى إذا أدت التحقيقات والقضايا ضده إلى إدانته جنائياً، بما يهدد فرص ترشحه للرئاسة، فإن ذلك سيكون فرصة لترامب كي يواصل هو وأنصاره رفع الصوت بأن كل ذلك «مؤامرة» لإبعاده عن السياسة. وسيزيد ذلك من «العداء للمؤسسة» بين صفوف الجمهوريين.

المهم ليس الظهور الإعلامي والمواقف الصارخة التي سنشهدها في العامين المقبلين فقط، إنما فترة رئاسة دونالد ترامب الوحيدة عززت انقساماً مهماً في المجتمع الأمريكي، وليس نخبته السياسية فقط. كان ذلك الانقسام موجوداً قبل انتخاب ترامب في 2016 مع صعود اليمين المتشدد بشكل عام، لكنه في ازدياد، وتعمق منذ ذلك الحين. لذا ربما يجوز وصف هذا الوضع ب«ترامبية سياسية» بما أضفاه الرجل على هذا التوجه.

حتى لو اختفى ترامب عن الحياة العامة بعد صخب العامين المقبلين، أي أنه لا يترشح للرئاسة ويتخلى عن سعيه للعب دور رسمي، فإن الترامبية باقية. بمعنى أن ذلك التأثير الهائل الذي أصبح تياراً قوياً لن يختفي. بل ربما تعزز أكثر مع استمرار صعود اليمين المتشدد في الغرب عموماً، خاصة في دول أوروبا. والحقيقة أن ما يعزز استمرار الترامبية، بل وزيادة سطوتها، هو ضعف الأطياف السياسية الأخرى، وعدم قدرتها على الوصول إلى الجماهير. فضلاً عن يأس الناس عامة من السياسية والسياسيين، وانصرافهم عنهم.

نعم، قد يختار الناخبون قوى أخرى من باب التصويت الاحتجاجي على اليمين المتطرف أحياناً، لكن سرعان ما يتغير ذلك لفشل من اختاروهم في إحداث أي تغيير جذري يشعر به الناس. وهذا ما يجعل الترامبية مستمرة وفي تصاعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32ae72u3

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"