بولسونارو.. وتحولات واشنطن

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

لسنوات طويلة ظلت دول أمريكا اللاتينية تعاني ممارسات سياسية، أقل ما توصف به أنها سياسات تسلطية، من جانب الولايات المتحدة، ومازالت بعض هذه السياسات مستمرة حتى الآن، على النحو الذي وصفه الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في القمة الثنائية التي جمعته بالرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الاثنين الماضي على هامش القمة التي عقدت في العاصمة المكسيكية لقمة أمريكا الشمالية، بمشاركة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.

فقد طالب الرئيس المكسيكي نظيره الأمريكي بأن تُنهي بلاده «ازدراءها» لأمريكا اللاتينية. وقال مخاطباً بايدن: «حان الوقت لإنهاء هذا النسيان.. هذا التخلي.. هذا الازدراء لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي»، مضيفاً: «أيها الرئيس بايدن بيدكم المفتاح لفتح العلاقات وتحسينها بشكل كبير، بين كل دول القارة الأمريكية».

يبدو أن هذا النوع من التعامل الاستعلائي الأمريكي سيشهد تحولات في الاتجاه الذي تحدث عنه الرئيس المكسيكي، لأسباب ربما لم ترد على بال أحد، لا من اللاتينيين ولا من الأمريكيين.

ربما يكون السبب طارئاً، لكنه يمكن أن يكون فاتحة لنوع بديل من العلاقات بين الولايات المتحدة، خاصة في ظل رئاسة الرئيس بايدن، وخلفيات توليه منصبه الرئاسي، وما واجهه من تحديات مازالت مستمرة من جانب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتحالفاته خارج الولايات المتحدة، وبالتحديد مع حليفه في البرازيل الرئيس السابق جايير بولسونارو الذي خسر الانتخابات أمام الزعيم اليساري لويس لولا داسيلفا، وأن يعطي لنفسه التمايز بين كل أقرانه، من رؤساء دول أمريكا اللاتينية بأن يحظى بثلاث ولايات رئاسية.

فالرئيس المنتهية ولايته بولسونارو، جعل نفسه بالنسبة للرئيس بايدن، الوجه الآخر «الكريه» للرئيس ترامب. فعلى مدى سنوات حكمه ظل بولسونارو يردّد ويعلن أن ترامب «مثله الأعلى»، كما أنه تحالف مع قوى اليمين والطبقات المهيمنة على الاقتصاد البرازيلي، واستقوى بهؤلاء على الشعب، ثم إنه لم يكتف بذلك، ولكنه كرر تجربة ترامب نفسها في رفضه فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، حيث بدأ بالتشكيك في مصداقية آلات الاقتراع الإلكترونية التي تستخدمها البرازيل بنجاح فائق منذ عقود، ومهاجمة السلطة القضائية، وتخويف الناخبين من خلال نشر الأكاذيب.

فكما فعل ترامب في انتخابات 2020 الرئاسية، أعلن بولسونارو أن «الانتخابات النزيهة الوحيدة التي يمكن أن يقبل بها، هي تلك التي يفوز فيها»، وكما فعل ترامب برفضه حضور حفل تسليم السلطة لبايدن، فعل بولسونارو الذي رفض حضور حفل التنصيب ورفض تسليم الوشاح الرئاسي للرئيس المنتخب لولا داسيلفا، وغادر فجر الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، على متن طائرة تابعة لسلاح الجو البرازيلي إلى ميامي في ضيافة صديقه ترامب.

صورة بولسونارو التي تجسد صورة ترامب أمام الرئيس بايدن، شاء بولسونارو أن تكتمل بالقيام بالدور ذاته الذي قام به ترامب، حيث شجع بولسونارو أقرانه ومؤيديه على الهجوم على المقر الرئاسي، ومقر الكونغرس، والمحكمة الاتحادية العليا، والتوجّه إلى قيادة الجيش للمطالبة بالقيام بانقلاب على الرئيس لولا، وإعادة تنصيب بولسونارو. فقد اقتحم أنصاره بعشرات الآلاف، مؤسسات السلطة البرازيلية في مشهد أعاد أمام الرئيس بايدن، مشهد اقتحام أنصار ترامب لمقر الكونغرس الأمريكي.

هذه التطورات كانت كفيلة بإثارة ردود فعل قوية لدى الرئيس بايدن، ومعظم قادة العالم.

فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن أبدى خلال مكالمة هاتفية مع نظيره البرازيلي لولا داسيلفا، دعم الولايات المتحدة «الراسخ» للديمقراطية في البرازيل، ودعاه لزيارته في البيت الأبيض في مطلع فبراير/شباط المقبل. وقالت الرئاسة الأمريكية في بيان، إن بايدن أعلن خلال المكالمة «دعم الولايات المتحدة للديمقراطية البرازيلية، والتعبير عن الإرادة الحرة للشعب البرازيلي، كما تم التعبير عنها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها الرئيس لولا».

وأضاف البيان أن بايدن ولولا، أكدا رغبتهما «في العمل معاً بشكل وثيق للتصدي للتحديات التي تواجه الولايات المتحدة والبرازيل، بما في ذلك التغير المناخي والتنمية الاقتصادية والسلام والأمن». وبحسب البيان، فإن قمة بايدن مع لولا، ستشكل مناسبة «لإجراء محادثات معمقة حول جدول أعمال واسع النطاق».

هذه الأحداث التي شهدتها البرازيل خلقت دون قصد عوامل تقارب مشتركة بين الرئيسين الأمريكي والبرازيلي الحالي، وباعدت كثيراً بين الرئيس الأمريكي والرئيس البرازيلي السابق بولسونارو، وربما يمتد التصدي أيضاً إلى أنصار بولسونارو، ومن ثم دعم مشروع لولا داسيلفا للحكم في البرازيل، ما يمكن أن يهيئ فرصة أفضل أمام مشروع لولا داسيلفا السياسي، في ظل التفاهمات والتحولات الجديدة مع الرئيس الأمريكي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5332syv2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"