صندوق باندورا تكنولوجي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل بدأت التقانة تقع في المحذور المحظور؟ المهاوي اللاّأخلاقية ليست جديدة على انحرافات التكنولوجيا، بل إن التقدم العلمي كان ولا يزال يجرف مع إيجابياته الكثير من زبد السلبيات الذي لا يذهب جفاء. مايكروسوفت طورت ذكاءً اصطناعياً يقلّد الأصوات على نحو لا يصدق، ما ينذر بأحداث لها حوادث لا يعرف مداها.
المسألة ليست سهلة في أي مستوى، من حيث قدرات تعلّم الآلة زوّدت المؤسسة الذكاء الاصطناعي بستين ألف ساعة من التسجيلات الصوتية، من خطب الساسة وسائر المشاهير، وعلى الآلة الذكية أن تتعلم الإمساك بخيوط اللعبة. المعالم لا تختلف عمّا في الموسيقى. مقاييس تحديد الصوت هي: الارتفاع أي التردد (فريكانس)، المدة الزمنية، الشدة أو اللين، والنبرة. بيت القصيد النبرة، فمنذ اخترع الإيطالي جويدو داريتزو التدوين الموسيقي في القرن الحادي عشر الميلادي، كان من المحال على مخلوق أن يدوّن الصوت البشري. مستحيل أن تدوّن على الورق ما تبدعه حنجرة فيروز أو وديع، أنت تدوّن اللحن لا صوت المغني ولا صوت الآلة.
من اليوم فصاعداً ستختلف الصورة، بل إنها اختلفت. في نطاق منتهى الخطورة السياسية يمكن اختلاق مقابلات خاصة وحديث زوايا لافتعال اشتعال الفتن والمحن، وكالعادة بعد خراب البصرة أو أخواتها يقال معذرة لقد أخطأنا التقدير، يكون الملايين قد ذهبوا هباءً منثوراً. اجتماعياً يمكن أن تؤدّي اعترافات مفبركة عن خيانة زوجية إلى مجازر عائلية، خصوصاً في المجتمعات البسوسيّة الهوى. أمّا في الدعابة الفنية فاصدح بمواويلك. بالذكاء الاصطناعي صار ممكناً الافتراء ولو لمجرد الهزل الهزيل، على كوكب الشرق بأنها غنت: «بعد العشا.. يحلى الهزار والفرفشة»، وأن محمد عبدالوهاب أبدع في أداء: «أركب الحنطور وتحنطر».
الذكاء الاصطناعي المسمى «فال إي» (فال الله ولا فاله)، لا يحتاج إلى غير ثلاث ثوانٍ من صوت الشخص المستهدف، لكي يستطيع جعله يقول ما لم يقله. لكن يجب عدم بث الرعب في النفوس، فمايكروسوفت عبّرت عن عميق إدراكها للمخاطر المحتملة على كل صعيد، مؤكدة أن مقاليد التحكم في هذا الذكاء غير البيولوجي لن تكون متاحة للاستخدام العام كبرمجيات مفتوحة المصدر للتطبيقات بلا قيد أو شرط. في غير هذه الحالة تكون المؤسسة قد صنعت للناس ما صنع الحداد، وفتحت صندوق باندورا للشرور.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: الكارثة هي أن يسيء الغباء البيولوجي استخدام الذكاء الاصطناعي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hcj3aa5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"