لسنا لعبة بين أياديكم

23:08 مساء
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

أغلقوا كليات الإعلام ما دامت الشاشات قد صارت مرتعاً لهواة الشهرة و«الترند» على حساب المضمون والكلمة المسؤولة.

أوقفوا حفلات تخريج دفعات من الإعلاميين الشباب ما دامت القنوات لا تفتح أبواب برامجها المسيطرة على المشهد إلا لأبطال الاستفزاز والكلام المعلوك واللاهثين خلف التميز بوسائل لا تمت للإعلام الذي درسناه وعرفناه بأي صلة.

كفانا مشاهدة مهازل «التوك شو» والبرامج التي لا هوية حقيقية لها ولا هدف من ورائها سوى تلميع صورة المذيعين والمذيعات ومن يقف وراءهم، خصوصاً القنوات التي ترى في استفزاز الجمهور نجاحاً ما دام مؤشر أعداد المشاهدة يرتفع، وما يتفوه به هؤلاء ينتشر على «السوشيال ميديا»، دون أن يعنيهم، سواء كان هذا الانتشار مديحاً للمذيعين وللقناة أو ذماً واستنكاراً!

مذيع باتت وظيفته الترويج للبلد الأم للقناة التي يعمل فيها، وينطلق ببرنامجه المسائي بقصائد المديح تذكرنا بزمن الجاهلية، ثم ينقل الدفة في الجزء الثاني من برنامجه ليستنكر ويعدّد مساوئ ما يحصل داخل مجتمع بلد آخر، وهو بالمناسبة بلده الأم الذي ولد فيه ويحمل هويته ولهجته، تحت ذريعة التنبيه من كل السلبيات من أجل التحسين، وتكون النتيجة أن المشاهد يتلقى جرعة من الجمال والغزل والإبهار لأجل عيون فلان، تقابلها جرعة من السوداوية والكآبة والقهر تطغى على المشهد العام، ولأجل عيون نفس هذا الفلان.

مذيعة كل مهمتها التحدث عن العلاقة الزوجية والانحياز، بشكل يستفز الرجال والنساء معاً، لمصلحة الزوج، وتصل بكلامها إلى حدود غير مقبولة، مثل «نصيحتها» للزوجة بمناداة زوجها بالألقاب؛ إذ لا يجوز أن تناديه باسمه مباشرة، بل عليها مناداته ب «يا أستاذ» قبل النطق باسمه، والمهزلة تكتمل بشرحها أن استخدام «يا» للمنادى القريب فيها حميمية ولا يفضل استخدام «أيها» لأنها للمنادى البعيد، ما يعني أنها تبعد المسافات بين الزوجين! ناهيك طبعاً عن صوتها المستفز، وأسلوبها في التقديم، ومضمون ما تقوله الذي لا غرض منه سوى أن تكون هي مختلفة عما هو سائد، فتكسب شهرة سريعة وتصير حديث الناس.

ولتكتمل المهزلة، لا بد من وجود مذيعة أخرى تناصر المرأة ضد الرجل، وتتوجّه بكلامها أيضاً للأزواج، وتُدْلي بدلوها في ما يجوز وما لا يجوز..

ما هذا السيرك الذي نشاهده ويضغط على أعصابنا؟ لا تقولوا لنا غيّروا المحطة أو لا تشاهدوا هذه البرامج، فالشاشة وما تقدمونه ليسا ملكاً لكم، والمتلقي هو السيد وهو المتأثر بما تبثونه من سموم وتشويه للقيم والمبادئ، وكل إعلامي تمسه هذه المهزلة ويستنكر ما يشاهده وهو مكتوف اليدين، فبالله عليكم لا تكمّموا أفواهنا بنغمة «غيروا المحطة» و«لديكم الريموت كونترول» و«لا تشاهدونا إن لم نعجبكم»، الشاشة ليست لعبة بين أياديكم، ولا هي وسيلة تستغلونها لمصالحكم الشخصية، فإما أن يقلب المسؤولون عن الإعلام صفحة هؤلاء، ويفسحوا المجال أمام إعلاميين حقيقيين لتقديم البرامج، وإما أن يغلقوا الكليات، وعلى الإعلام السلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/42rna8nv

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"