اليابان وألمانيا على خط النار

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

في تصريح لافت قال جيمس بيرمان القائد العام لقوات الاستطلاع البحرية الأمريكية الثالثة التي تعمل في منطقة شرق آسيا، إن الولايات المتحدة عملت منذ عام 2014 على تهيئة أوكرانيا لخوض حرب ضد روسيا، وذلك بطريقة جدية، وهذا يعني أن إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لكل من ألمانيا واليابان لزيادة تسلّح جيشيهما تسليحاً استراتيجياً، بما يؤشّر إلى أن كرة الحرب الكبرى تتدحرج نحو مواجهة عالميّة.

يقول بيرمان، في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»: «لماذا حققنا مستوى النجاح الذي حققناه في أوكرانيا؟ يرجع جزء كبير من ذلك إلى أنه بعد (تحركات روسيا) في عامي 2014 و2015، جرى الاستعداد للصراع في المستقبل بجدية». وأوضح أن هذا الاستعداد شمل تدريب الأوكرانيين، والتخزين المسبق للإمدادات، وتحديد المواقع التي يمكن للغرب من خلالها تقديم الدعم، واستدامة العمليات، على حد وصفه. ويضيف نحن نسمي ذلك إعداد المسرح، و«نقوم بإعداد المسرح في اليابان، في الفلبين، وفي أماكن أخرى». تعمل اليابان والفلبين أيضاً على تكثيف التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة في مواجهة الصعود الصيني.

تعديل الدستور الياباني جاء بالجديد المرعب، فبحسب وثيقة السياسة الدفاعية اليابانية الجديدة، فإن حكومة اليابان أدخلت أكبر تعديل على سياستها الدفاعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما أقرت وثيقة السياسة الدفاعية الجديدة التي تعتبر الصين تحدياً استراتيجياً وروسيا مصدر قلق للأمن القومي. وتعتزم اليابان في إطار أكبر مراجعة لسياستها الدفاعية منذ عقود، مضاعفة ميزانيتها الدفاعية السنوية وتوحيد قيادتها العسكرية وزيادة مدى صواريخها. وهذه تعد نقلة شديدة الخطورة في شرق آسيا، ذلك أن اليابان، لا يسمح دستورها السلمي الذي كتبه المحتل الأمريكي بعد هزيمة البلاد في نهاية الحرب العالمية الثانية ودخل حيز التنفيذ في 1947، لطوكيو بالحصول على جيش في حد ذاته. وأعلنت طوكيو، عند إطلاقها للاستراتيجية العسكرية، أنه بحلول السنة المالية 2027، ستنفق نحو 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بعد أن كان نحو 1٪. بناء على الناتج المحلي الإجمالي الحالي، ومن شأن ذلك أن يرفع الإنفاق السنوي إلى ما يعادل نحو 80 مليار دولار، ما يضع اليابان في المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

وأما ألمانيا التي نأت بنفسها عن المشاركة في حروب كبرى ولم تتدخل إلا بعد أن تسمح لها الولايات المتحدة مثلما حدث في حرب أفغانستان، فإنها شرعت في زيادة قدرات جيشها التسليحية. ففي شهر يونيو الماضي وافق البرلمان الألماني على خطّة اعتبرها المراقبون تحولاً استراتيجياً، وذلك بعد أن صوّت 567 نائباُ بالموافقة على إدراج فقرة جديدة في الدستور الألماني. وتنص المادة الجديدة على أنه يمكن الحصول على قروض تصل إلى 100 مليار يورو (نحو 107 مليارات دولار) لصالح الجيش الألماني دون الالتزام بكبح الديون. وفي 31 مايو الماضي، قال المستشار الألماني شولتس في تصريح صحفي، إن بلاده «ستمتلك قريباً أكبر جيش نظامي لدول حلف الناتو في أوروبا، وأن هذا سيعزز بشكل كبير أمن ألمانيا وحلفائها». وقد تم بالفعل البدء في بعض مشاريع التسلح. ويرى المستشار شولتس أن الدور الحاسم لألمانيا يتمثل الآن في تعزيز مكانتها واحدة من مزودي الأمن الرئيسيين في أوروبا.

وهذه الخطوة اليابانية الألمانية تشكل سابقة خطِرة ومؤشراً على أن حرب أوكرانيا قد يمتد لهيبها إلى شرق آسيا، وحتى إلى أوروبا، و إلى مناطق أخرى من العالم، وهو ما ينفي إمكانية إنهاء الحرب الأوكرانية في سنة 2023، فتصريحات قائد القوات الأمريكية دليل على أن إعادة تسليح اليابان وتضمين عقيدته العسكرية الجديدة بأن الصين هي تهديد استراتيجي لطوكيو، هو توريط لليابان في حرب مستقبلية مع دول الجوار وفي مقدمتها الصين. كما أن إعادة تسليح ألمانيا بشكل استراتيجي، تمثّل حدثاً فارقاً وتحولاً جوهرياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. و إذا كانت الولايات المتحدة تريد إعادة استنساخ النموذج الأوكراني بالاستعداد مبكراً لحرب قادمة، فعليها التفكير في أن الجبهة المضادة صارت أقوى وأن السلاح الذي تشهره اليوم وهو عسكرة ألمانيا واليابان يمكن أن يرتد عليها، والتاريخ شاهد على ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y3uuwhue

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"