كُتب تعبر البحار

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
لنتخيّل أعداد الكتب التي انتقلت من بلد إلى آخر، ومن قارة إلى قارة، في زمن لم يكن قد عرف لا الطائرات ولا حتى القطارات، فكان الشغوفون بالكتب، معرفة أو مهنة، ينقلونها عبر السفن مجتازة بحاراً ومحيطات، لتصل إلى أراضٍ وديار جديدة.

لن نذهب بعيداً، وسنأخذ مثالاً من التاريخ الثقافي لخليجنا العربي، ففي الفترة التي أحكم فيها الإنجليز قبضتهم على المنطقة، وسعوا لعزلها عن محيطها العربي، خاصة في مطالع ومنتصف القرن العشرين أمام تنامي المدّ القومي والوطني المطالب بالاستقلال، وفي زمن كانت غالبية بلدان المنطقة خالية من المطارات، وإذا توفرت فإنها كانت بسيطة، ولا تستقبل إلا رحلات نادرة تفرضها الضرورة، كان نقل الكتب والمجلات، إنما يتم عبر البحر.

كانت أيادي أفراد النخب المتعلمة من أبناء الخليج الذين اتخذ بعضهم من الهند مقراً مؤقتاً لإدارة أعمالهم في تجارة اللؤلؤ تتلقف أعداد المجلات التنويرية والنهضوية العربية الصادرة في مصر وبلاد الشام خاصة، التي تصلهم إلى بومبي وكراتشي، ومن هناك يوصلون نسخها، عبر البحر، إلى بلدانهم في الخليج.

ما زال النقل البحري للكتب شائعاً، تعتمده دور النشر في مختلف البلدان وسيلة لنقل الكميّات الكبيرة من الكتب، للمشاركة في معارض الكتب التي تقام سنوياً في مختلف البلدان، أو لعرضها للبيع في المكتبات المحلية المعنية بتوزيعها، نظراً لأن كلفة هذا النوع من الشحن تعتبر قليلة مقارنة مع كلفة النقل الجوي. لكننا اليوم إزاء نوع آخر من ترحال الكتب عبر البحر، تتولاه سفينة اسمها «لوغوس هوب»، تديرها مؤسسة غير ربحية مقرها ألمانيا، زارت أكثر من 150 بلداً في العالم منذ تأسيسها في عام 1970. وتوصف بأنها أكبر مكتبة عائمة في العالم، تتولى التنقل من بلد إلى آخر، وعلى متنها لا يوجد مسافرون، فالكتب التي عليها هي التي تسافر، ومن نحو خمسة آلاف كتاب بلغات مختلفة تتسع لها السفينة، فإن الكثير منها يصبح مستقرها في البلد الذي تزوره، ولا تعود من حيث أتت، حين يقتنيها القراء الذين يقبلون على شرائها في كل ميناء تصله وتمكث فيه فترات تمتد لأسبوعين أو ثلاثة، لتكون بمثابة معارض كتب عائمة.

مؤخراً رست «لوغوس هوب» في ميناء بورسعيد بمصر عارضة آلاف العناوين في العلوم والرياضة والفنون والطب والروايات باللغتين العربية والإنجليزية، حيث يتوافد عليها القراء والقارئات الباحثين عن الأمل والمعرفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2b4msxyw

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"