عبداللطيف الزبيدي
هل خصّص الشعراء في مهرجان الشعر العربي في الشارقة، سويعات أو خلسة المختلس، للخيال العلمي الشعري؟ مثلاً: كيف ستكون الانعكاسات المحتملة للمعلوماتية والرقمي والذكاء الاصطناعي، على الشعر؟ ما هي الآفاق النظرية والتطبيقية التي يمكن أن تفتحها تلك التقانات في مجال نظرية الأوزان؟ هل يمكن أن تصير إيقاعات البحور بلا حدود في تنوعها، متجاوزة الدوائر الخليلية ببحور لم يعرفها العرب؟ ما هي الإمكانات التي يمكن الحصول عليها بفضل الخوارزميات؟
هل فكّر الشعراء ملياً في لامعقوليات الشعر العربي في نطاق الأوزان الخليلية؟ هل المسلّمات التي ظلت سائدة قروناً، هي أساساً قائمة على منطق عقلي أو إحساس بالجمال؟ مثلاً: لقد ظل الشعراء منذ عصر الفراهيدي إلى اليوم، ومعهم العارفون بالعروض، يتوهّمون أن مفهوم الإيقاع في الشعر العربي الموزون هو بالضبط مفهوم الإيقاع في الموسيقى.
العروضيون لا يعرفون الفارق إلاّ إذا ألمّوا بالإيقاع في الموسيقى. الزحافات في مفهومها العام علل، خلل، نقائص.. في الرَّمَل «فاعلاتن» غير إيقاع «فعِلاتن». كل حديث عن أن التفعيلة الأولى هي الكاملة والأخيرة هي الزاحفة الناقصة أو التابعة الملحقة، هو هراء في نظر الموسيقي. في الرجز لدينا التفعيلة النموذجية «مستفعلن» وتابعاتها: مفْتعلن متَفْعلن وفعَلَلن. التابعات ليست تابعات، بدليل أن التدوين الإيقاعي الموسيقي يعطينا نتائج مختلفة في التطبيق.
المردود النظري يحتاج إلى عكوف جدّي عميق من قبل شعرائنا؛ لأن فتح آفاق الموسيقى لأوزان الشعر الموزون يكشف لهم أموراً لم تكن تخطر لهم على بال: محال أن يتصور ذو المقاييس العروضية أن الرجز «مستفعلن مستفعلن مستفعلُ»، يمكن أن يصير فاعلن، في حين أن الشعر الفارسي الكلاسيكي فيه نماذج كثيرة من تفعيلة فاعلن في رجز فيه مستفعل ومفتعل. في غزليات جلال الدين الرومي عدد كبير من هذا الإيقاع.
السبب هو مَوْسقة بحر الرجز بوضعه في القالب الموسيقي، فتمطّت الفاء الممدودة «فا»، وتمددت زمنياً لتحتل مكان «مُفتعِ». لا يمكن للعروضي أن يتصور هذا لأنه ينظر إلى التفعيلة نظرة تقطيعية. هنا يخطّئ العروضيّ الموسيقيّ والموسيقى، وهنا يفترقان.
لزوم ما يلزم: النتيجة التداركية: على الشعراء أن يتداركوا المأساة الذوقية الجمالية التي نجمت منذ ظهور قصيدة التفعيلة، فقد ألقى التفعيليّون بعشرة أوزان في سلة المهملات. أين البدائل؟
