عادي
تسرد حياة الفلاحين والفقراء

«الزوج المريض».. لوحة من ذاكرة الطفولة

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
فاسيلي ماكسيموف
اللوحة

الشارقة: علاء الدين محمود
لعل أكثر ما يميز أعمال الفنان الروسي فاسيلي ماكسيموف «1844-1911»، هو الانتماء للواقع والتعبير عنه، وربما يعود ذلك لكونه جذب في وقت مبكر أفكار الشعبويين في روسيا، وكانت صور حياة الناس هي الموضوع الرئيسي لأعماله، فشغف برصد واقعهم اليومي وحركة الفقراء والبسطاء من الفلاحين، وماكسيموف ولد وسط بيئة فلاحية في قرية لوبينو، التابعة لسانت بطرسبرغ، وتيتم في وقت باكر وكان عمره 6 أعوام، وهو الأمر الذي أثر في تكوين شخصيته الفنية، وانعكس في العديد من أعماله الإبداعية، فقد وجد في الرسم سلوته، وسلاحه في دفاعه عن البسطاء، والتعبير عن أحلامهم المؤجلة أملاً في فسحة من الفرح العابر في حياتهم.

اتجه ماكسيموف نحو الفن والتحق بمتجر للرسم الأيقوني، ومن هنا انطلقت مسيرته، فأنتج حينذاك عدة لوحات بسيطة في تكوينها اتسمت بالرشاقة الإبداعية، حيث تنتمي معظم أعماله للفن الواقعي، فإلى جانب انتمائه للريف في رسوماته، فقد جعل كذلك من الذكريات مادة للعديد من أعماله التي أبدع فيها بطريقة وأسلوبية نالت إعجاب ودهشة النقاد، خاصة أنه قد تخرج في الأكاديمية الإمبراطورية الروسية للفنون بسانت بطرسبرغ، ليصبح واحداً من أشهر فناني عصره، وكان له تأثير كبير في الأجيال اللاحقة، ومن أشهر أعماله «الطفل المريض»، و «أحاديث الجدات».

اللوحة

أنجز ماكسيموف «الزوج المريض»، في عام 1881، وهي تنتمي إلى تفكيره الفني في التعبير عن حياة الفلاحين، وفي ذات الوقت فإن للفنان دوافع أخرى، فقد رسمها مستنداً إلى ذكريات الطفولة التي عاشها، واليتم الذي تعرض له وأثر في حياته كثيراً، وربما أصابه بالحزن، هذا الذي فجر من خلاله طاقة إبداعية هائلة لإنجاز هذه اللوحة التي اعتبرت بحسب النقاد أيقونة فنية غاية في الروعة ومترعة بالمشاعر الإنسانية، فهي أشبه بنص حزين، يجلب أحاسيس التعاطف عند المشاهد.

ذكريات

تذكر الفنان طفولته، وقد كان حزيناً بسبب مرض والده ثم وفاته، كما تذكر ضعف والدته في مواجهة الحياة، فترجم ذلك من خلال هذه اللوحة، وقد تحدث ماكسيموف عن طفولته البائسة فقال: «كان صيف عام 1850 حاراً، ولم يكن لدى الفلاحين الوقت لإنهاء زراعة القش، حيث نضج الجاودار، كان شقيقي يعمل في الحقل، وكانت والدتي تحاول إنقاذ المزروعات، كنت حينها طفلاً في السادسة من العمر، بقيت في المنزل مع والدي المريض، ولم أغادره دقيقة حتى فارق الحياة، كنت أصلي وأنظر إلى الحقل عبر النافذة، من الصعب عليّ شرح بماذا يفكر طفل يحتضر أبوه أمامه، ولكنه، بلا شك، شعور قلب مُحطّم وألم غير مفهوم طبع بحدة في الذاكرة طوال الحياة».

وصف

في مشهد اللوحة، التي رسمت بألوان الزيت على القماش، يرى المشاهد امرأة في وضعية أقرب إلى الركوع بقرب فراش زوجها المريض، وتبدو عليها آثار الفقر والبؤس، وتعكس ملابسها وأثاث المنزل أنها تنتمي إلى طبقة الفلاحين والفقراء، ويكاد البؤس يسكن في كل زاوية من زوايا الكوخ القروي البسيط، حيث الفقر المدقع، فالنافذة تم تغطيتها على عجل بقطعة قماش بسيطة، والسرير مغطى بقش بدلاً من المرتبة، وبجانب الزوج المريض وجبة بسيطة، لكونه لم يعد يأكل شيئاً، وهناك رسومات ولوحات في الأعلى لأفراد من العائلة.

المرأة، وهي الأم، تبدو وكأنها تتضرع إلى الله، عز وجل، كي يشفي زوجها المريض، فهو العائل الوحيد للأسرة، كما يبدو من خلال تعبيراتها أن المرض قد تمكن من زوجها، الذي يظهر مستلقياً على السرير يعيش لحظاته الأخيرة، وقد أصيب بمرض خطير ولا شيء يمكن أن يساعده، غير أن الزوجة المكلومة تتمسك بالأمل الذي يبدو أنه يبتعد رويداً رويداً.

وصفت اللوحة من قبل خبراء الفن بأنها مدهشة في عاطفتها وواقعيتها، حيث أفلح الفنان في إظهار الثقل الذي تنوء به الزوجة والأم، والتفاصيل المعبرة عن فقدان الأسرة لراعيها وعماد بيتها، فقد ساعدت عواطف الفنان في إنشاء تحفة حقيقية، ولا عجب أن أحدثت اللوحة القماشية ضجة كبيرة في المجتمع، وأصبحت حدثاً بارزاً في عالم الفن، حيث كان لها تأثير كبير في الخبراء الفنيين وهو ما أهلها، لأن تحقق شهرة كبيرة على مستوى العالم أجمع، فبعد أن عرضت لأول مرة كتب عنها الناقد الروسي الشهير فلاديمير ستاسوف: «يعلم الله كم حمّلتني هذه اللوحة من حزن وشقاء، وكم أدهشتني تفاصيلها وقدرة ماكسيموف على رسم مشاعر البشر إنها واحدة من أرقى الأعمال في المدرسة الروسية الجديدة بأكملها».

وإلى جانب ستاسوف، فقد تحدث العديد من الفنانين العالمين عن اللوحة، ووصفوها بأنها من أجمل القطع الفنية والتي ستلهم العديد من الفنانين من الأجيال القادمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yny9899m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"