العرب.. والوحدة التعليمية

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالله السويجي
فشلت محاولات الوحدة العربية باستثناء وحدة الإمارات العربية المتحدة، هذه معلومة مؤكدة، لكن وحدة الإمارات ليست موضوعنا، إنما الحاجة الماسة للدول العربية أن تفكر بطرق تقودها إلى التعاون أو التآزر أو التنسيق أو التحالف أو الوحدة، أو أي شكل آخر من أشكال العمل الجماعي وضمان استدامته. ولا حاجة لتبرير هذه الرغبة لأنها لغة العصر واستراتيجيته.
صحيح أن العالم يشهد تحالفات منذ بداية تكوين النظم السياسية والدول، وأن العرب كانوا في أشد الحاجة إلى التحالف في العقود الماضية، إلا أنهم الآن، مع كل الذي يجري في العالم، وما سيطل علينا من أزمات وكوارث طبيعية وغير طبيعية، يشكل مطلب التحالف والتنسيق والعمل المشترك قضية قومية وإنسانية وأخلاقية واقتصادية وسياسية واجتماعية وتعليمية، ولعل المحور التعليمي يشكل أولوية وأهمية قصوى في ظل الأزمات المتشعبة التي تعيشها أكثر من دولة.
لم يعد بإمكان أية دولة إقفال حدودها والعمل بمفردها والادعاء بأنها مكتفية ذاتياً وليست في حاجة لأحد، العالم أصبح متصلاً بطريقة لا يتخيلها دعاة الانزواء، هنالك دورة تمر في كل الدول، وصار العالم جسداً واحداً بدورة دموية واحدة بشكل أو بآخر، وأي انسداد أو إقفال سيؤدي إلى موت العضو/ الدولة. لهذا، فالأمة العربية في حاجة إلى إحياء فلسفة التعاون وفق أسس فكرية واستراتيجيات تنويرية بعيداً عن التشنج والعنصرية والعصبية والتشدّد والمصالح الفردية الضيّقة، وهنا يأتي دور التعليم وتطوير المناهج التعليمية لتحقيق الأهداف الإنسانية.
أعتقد أن الأجيال السابقة، ولنقل قبل خمسين عاماً حتى اليوم، نشأت وترعرت على أفكار شوفينية في معظمها، هي حقيقة وإن لم يجاهروا بها، والآن، آن الأوان لتحرير الأجيال الصاعدة من الأفكار القديمة التي قادت إلى مجتمعات تعتقد أنها سعيدة بانغلاقها، ونشر أفكار أخرى تناسب قيم العصر، وهي قيم لا تتضارب مع المنظومة الأخلاقية وإنما تنظر إليها بشكل مختلف وتجعلها أكثر إنسانية وعملية، ونضرب مثالاً على ذلك بقيم التسامح والتعايش السلمي واحترام ثقافة الآخر ومعتقداته، إضافة إلى نشر ثقافة الاعتزاز بالهوية العربية وعناصرها، ولن يتأتى كل ذلك إلا من خلال منهج تعليمي تربوي موحّد أو منسجم، تتشبع به الأجيال من المحيط إلى الخليج، والأجيال العربية مهيئة لأنها تتوق للتفوق والتميّز وتحقيق الإنجازات.
نحن لا نتحدث عن لغة التعليم، رغم أهميتها، ولكن عن مادة رئيسية يتضمنها المنهاج العربي، وهي التربية الوطنية، تتضمن الخطوط العامة والمبادئ الشاملة التي تجعل العربي أكثر ولاءً وانتماءً لوطنه ومجتمعه. وأكثر اعتزازاً بثقافته وإنجازاتها على مر العصور، بحيث تصبح الشخصيات العلمية والأدبية والفلسفية والطبية والقيادية وغيرها، نماذج تُحتذى بدلاً من البحث عن رموز متألقة في تاريخ الثقافات الأخرى.
من يطّلع على مناهج التربية الوطنية لكل قطر عربي، سيجدها تركز على خصوصيته وشخوصه وتاريخه، من دون تعريف الشخصيات العربية الأخرى، ونحن هنا لا نعني الشخصيات التاريخية الإسلامية، وإنما الشخصيات المعاصرة أيضاً، لتصبح القدوة والنموذج.
المهمة ليست مستحيلة، قرار واحد من جامعة الدول العربية، ويجتمع وزراء الثقافة العرب، ثم تُعطى المهمة للمستشارين والمفكرين والمثقفين والكتاب من أنحاء العالم العربي لصياغة محتوى متقدّم، إلى جانب وسائل حديثة وآليات حديثة لتعليمه ونشرها في مدارس التعليم العام، مع الأخذ بعين الاعتبار النظر إلى المادة نظرة جادة، والتعامل معها كأي مادة رئيسية في المنهاج التعليمي، ترافقها برامج تطبيقية ومحفّزات، ولتكن هذه الفكرة بداية لتوحيد المناهج التعليمية، وبذرة التعاون العملي والحقيقي في المجالات الأخرى، وقد يتأثر التعليم العالي بالتجربة، وسيكون لدينا جامعات عربية يشار إليها بالبنان، ومن يدري، قد تكون مقدمة لمشروع سياسي ضخم.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38marnsc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"