عادي
يعتبر بوابة الخمسين المقبلة

تدريس الذكاء الاصطناعي.. ضرورة تعليمية ملحّة

00:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

تحقيق: محمد الماحي

يتطلب إعداد جيل الألفية الثالثة ضرورة تمكينه من تطبيقات التكنولوجيا التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من واقعه الحياتي، ويعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم المجالات التي ستعتمد عليها التكنولوجيا في المستقبل، وأشارت العديد من الدراسات التربوية إلى أهمية تضمين الذكاء الاصطناعي وأدوات الرقمنة لتحقيق التفوق الرقمي والتقني في المناهج، لما لها من دور في تمكين الطلبة بالمهارات والفرص مبكراً، خصوصاً أن العالم يشهد في سنواته الأخيرة ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي، ظهرت آثارها في معظم مجالات الحياة، فيكاد لا يخلو مجال من توظيفه، ما يضع على عاتق الجهات المعنية بالتعليم مسؤوليات جسيمة لتطوير سياساتها ومناهجها واستراتيجياتها لمواكبة معطيات الثورة الصناعية الحديثة، والتي كانت بمثابة الشرارة التي أضاءت أمام التربويين مساحات جديدة في البحث عن إثراء ثقافة الذكاء الاصطناعي، وتضمينه نظرياً وتطبيقياً في مراحل التعليم المختلفة.

هناك توجه وطني في دولة الإمارات لتبنّي الذكاء الاصطناعي كمحور للتطوير، من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي شكلت خطوة مهمة، وانعكست على تطوير المنظومة التعليمية، وجعل الذكاء الاصطناعي محوراً من محاور تطويرها، واطلق البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي «المنصة المعرفية للذكاء الاصطناعي»، بهدف تعزيز وعي الطلاب والشباب بأحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وأثر ذلك في مستقبل البشرية، وتعريفهم بأهم الجامعات والمؤسسات الأكاديمية التي توفر لهم تخصصات مختلفة في الذكاء الاصطناعي، والجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص التي تقدم منحاً وتسهيلات دراسية في هذا القطاع الحيوي.

سوق العمل هذا التوجه الوطني يتطلب تعزيز الابتكار وتوفير مستوى تعليمي متقدم، يعززه الذكاء الاصطناعي، ويتماشى مع سوق العمل، وهذه التحديات تدور في فلك الاتجاهات الرئيسية لعصر التعليم الرقمي، والذي يقود المؤسسات التعليمية إلى تغيير سياستها والاعتماد على مناهج هجينة بعيدة عن التعليم التقليدي، وتنمية المهارات وتحفيز الابتكار لدى الطلاب.

وأكد خبراء تربويون ل«الخليج» أهمية إعداد جيل الألفية الثالثة للوظائف والمهارات التي يتطلبها سوق العمل خلال الخمسين المقبلة، بتضمين المناهج الدراسية مواد تكرس في أذهان الطلبة أهمية الذكاء الاصطناعي في صياغة المستقبل، وتمكينهم من علومه ومجالاته وأدواته.

ويقول الخبير التربوي الدكتور خالد صقر المري، إن قضية تطوير سياسة عامة لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم من القضايا المهمة ذات العلاقة بمستقبل العملية التعليمية، ولاسيما في ظل ارتباطها الشديد بسوق العمل المفتوح عالمياً، لأنها ستخلق إنساناً تنافسياً بمواصفات عالمية يتمكن من اختراق أسواق العمل في العالم أجمع، بما يمتلكه من خبرات ومؤهلات يحتاجها سوق العمل، إلا أن إدخال هذه السياسة حيز التنفيذ يواجه بالعديد من التحديات التي تؤثر في عملية الدمج للذكاء الاصطناعي في التعليم، مشيراً إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعد سبيلاً لتطوير التعليم من خلال الدمج بين الواقعين الافتراضي والحقيقي للتخلي عن النصوص التعليمية الجامدة.

وأكد أهمية إعادة ابتكار التعليم من أجل تلبية حاجة الإنسانية ليكون مواكباً لركب التطور، في وقت بدأت تتفاعل كل الشركات التعليمية والحلول والبرامج المبتكرة من أجل ترسيخ ثقافة تلك التقنية، ودمجها في كل الأدوات لتكون أكثر فعالية، وتغيير وجه التعليم وطرائقه مع أهمية تجنب بعض المحاذير لتحقيق الاستفادة المطلوبة، وغيرها من قضايا التعليم الحديثة.

مهارات البرمجة

ويتفق الدكتور جلال حاتم مع ما سبق ويضيف إليه: «إن التعليم الذي يدمج التكنولوجيا بطرائق التعليم هو التعليم المطلوب في هذا العصر»، داعياً إلى إدراج الذكاء الاصطناعي في طرائق التعليم للمساهمة في تسريع عملية بلوغ أهداف التعليم العالمية، من خلال الحد من العوائق التي تعترض سبيل التعلّم، وأتمتة الإجراءات الإدارية، وإتاحة أفضل السبل الكفيلة بتحسين نتائج التعلم.

وشدد على ضرورة أن تخلق المدارس في نفوس الطلبة حب المعرفة وشغف التعلم واكتساب المهارات في ما يخص تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من خلال تحفيزهم على إعداد مشاريع تتبنى هذه التكنولوجيا.

وطالب وزارة التربية بتطوير المناهج بهدف تنمية مهارات البرمجة واستخدام الحاسوب وتصميم برامج الذكاء الاصطناعي لطلاب المدارس الحكومية على مستوى الدولة، بحيث تتنوع المناهج لتخدم مختلف التخصصات العلمية والتطبيقية والزراعية والتكنولوجية، حتى نتمكن من إعداد أجيال قادرة على مواكبة التطور التكنولوجي.

الظروف الطارئة

وحول مستقبل التعليم خلال الخمسين عاماً المقبلة، يقول الدكتور عيسى البستكي مدير جامعة دبي: إن مستقبل التعليم يحتم تسخير وتطويع وتوظيف الابتكارات التكنولوجية في الارتقاء بدعائم التعلم، ونشر ثقافة التعليم الذكي وإدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، لكونها الضمان الأقوى لاستمرار العملية التعليمية في ظل الظروف الطارئة والمتحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.

وأوضح أن من أهم أدوات تطوير التعليم في المرحلة المقبلة؛ تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء، والتي ستطور العملية التعليمية، مشيراً إلى أن التعليم في المستقبل يتجه نحو طفرة تعليمية لا يمكن تصورها في الوقت الحالي.

وأشار البستكي إلى أنه بناء على التطورات التكنولوجية سيكون التعلم في المستقبل من أي مكان، وفي أي وقت، ومن أي جهاز، ومن أي معلم، أو أستاذ جامعي؛ لذا لن نحتاج إلى مبانٍ، لأن التعلم سيكون متاحاً خلال ال24 ساعة، لافتاً إلى أن المعلم والمنهاج ولوائح التعليم وزمن التعلم سيتسمون بالمرونة خلال السنوات المقبلة، ما سيؤدي إلى تقليص المدة الزمنية للتخرج من أربع سنوات إلى سنة واحدة، أو أقل، كما سيتم تقليص عدد سنوات التعلم المدرسي إلى تسع سنوات، ومن ثم سيتخرج الطالب عندما يحصل على البكالوريوس في زمن قياسي بدءاً من الابتدائي وحتى البكالوريوس في مدة تصل إلى 10 سنوات.

الكفايات الرقمية

ويقول الخبير التربوي محمد عبيدات، إن المستقبل القريب سيشهد أنظمة تعليمية جديدة تجسد التحول الرقمي وتعزز الواقع الافتراضي والمعزز والذكاء الاصطناعي الذي من ِشأنه حتماً أن يغير طريقة تقديم التعليم، ما يتطلب تسليح الطلبة بالكفايات الرقمية والمهارات اللازمة للقرن الواحد والعشرين.

وأوضح أن إدخال الذكاء الاصطناعي والطرائق الحديثة في التعليم، لم يصبح أمراً اختيارياً، بل ضرورة وفق توجهات الدولة، التي وفرت كل الإمكانات للاستعانة بالتكنولوجيا التعليمية لتطبيقها بشكل تدريجي، كما أن التحول الكامل نحو التعلم بوساطة التكنولوجيا سيكون له ملامحه الخاصة المتمثلة بتغيير دور المعلم بشكل كامل، وتغير أساليب الحصول على المعلومة وتلقّي الطلاب لها.

وتابع: هنالك تحديات تؤثر في عملية دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، تبدأ بتبني الجهات المسؤولة عن التعليم قراراً سيادياً بخلق سياسة شاملة عنوانها الرئيسي «الذكاء الاصطناعي من أجل تنمية تعليمية مرتبطة باقتصاد المعرفة»، وإنشاء مراكز أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتوظيف وإعداد الخبراء والاستثمار في البحث والتدريب المتقدم، وتوفير الفرص المتساوية والمنصفة في دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم تضمن مشاركة جميع الطلبة، لتفادي حدوث ما يسمى «بالفجوة الرقمية».

وأكد عبيدات أهمية مواجهة تلك التحديات والتحول السريع للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التعليم بشكل منتظم ومستمر وممنهج، لوجود العديد من شركات القطاع الخاص، وعلى رأسها عمالقة التكنولوجيا، تتصدر مبادرات الذكاء الاصطناعي في معظم البلدان.

تصحيح المسار

يرى الدكتور هشام عباس زكريا عميد كلية الاتصال بالجامعة القاسمية، أن إدخال الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم من شأنه إحداث ثورة تصحيح للمسار التعليمي تحطم معها القوالب التقليدية التي تعتمد على التلقين، وتغير، وتطور من دور المعلم، والأستاذ لتنقله من موقع الموظف إلى الخبير.

وأضاف أن دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف تخصصات المجال التعليمي بات أمراً ضرورياً، لأثره الإيجابي الكبير في مجال البحث العلمي التطبيقي، والاستفادة في تحليل المعطيات، بما يصب في مصلحة البحث العلمي بشكل كبير، لافتاً إلى أن الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، سيساهم في ابتكار برامج تعليمية مخصصة لكل طالب، وسينقله إلى حقبات تاريخية ليختبرها بنفسه بدلاً من قراءتها. وختم بقوله: «الشيء الوحيد المؤكد هو أننا نعيش حالياً في عصر يمكن فيه الوصول إلى المعلومات بشكل لا مثيل له، حيث تعززت القدرة على الاستفادة من هذه المعلومات باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ويحمل هذا المزيج فرصاً هائلة لمستقبل التعليم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32fdxny9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"