ليس المنجمون وحدهم من يكذبون

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

شهير هو القول: «كذب المنجمون ولو صدقوا». تبدو العبارة حاملة لشيء من المفارقة، فكيف نقول لمنجمٍ تنبأ بأمر وتحقق بالفعل ما تنبأ به بعد حين، إنه كاذب؟ وقد تبدد هذه المفارقة فكرة أنه حتى في حال صدقت نبوءة ذلك المنجم، فإن ذلك حدث بمحض المصادفة وحدها، وليس لأنه يملك من البصيرة ما يجعله قادراً على رؤية ما يحمله المستقبل، قريباً أو بعيداً.
كثيرون يعتقدون أن مقولة: «كذب المنجمون ولو صدقوا» هي حديث نبوي شريف، وما هذا بصحيح، ولعلّ ذلك ما حمل دار الإفتاء المصرية على توضيح ذلك بالقول: «إن مقولة كذب المنجمون ولو صدقوا ليست حديثاً نبوياً، وإن كان معناها صحيحاً»، وبطبيعة الحال فإن هذه الفتوى تنطلق من الاعتبار الديني بالدرجة الأولى، وهو ما نجده في قول دار الإفتاء: «إن المنجم يدعي علم الغيب، وليس له تحقق من ذلك وإن وقع ما تنبأ به، فهو كاذب في ادعاء علمه وإن وقع شيء مما أخبر به».
ثمة تفريق أتينا على ذكره غير مرة بين المشتغل بالعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وما إليهما، والمشتغل بعلم الاجتماع والدراسات الإنسانية، فإذا كان بوسع الأول أن يجري ما يكفي من التجارب على توقعاته في المختبرات، مستخدماً كل ما يلزم من خبرات وأجهزة ومواد، فإن عالم الاجتماع ليس بوسعه اختبار صحة أو عدم صحة فكرة يطلقها أو نبوءة يتوقعها عن السير المحتمل للأمور بعد زمن، تاركاً لهذا الزمن تزكية ما توقعه أو دعا إليه أو عدم تزكيته.
في كتابه «زمن الغيوم» يقول المكسيكي أوكتافيو باث: «إن المجتمعات غير قابلة للتوقعات مثل الأفراد، ومن ثم فإن قائمة النبوءات الفاشلة لكثير من علماء الاجتماع، بدون استثناء حتى كبارهم، أكبر وأكثر إثارة من قائمة علماء الفلك والمنجمين، فالتاريخ تتراكم فيه أشياء متناقضة وغير متناسقة بنوع من المزاح الذي هو، في الوقت نفسه، لا إرادي وفاسد».
تلجأ بعض التوقعات إلى قياس الرأي العام من خلال استفتاءات تجرى بين كتل سكانية معينة، لكن آخر ما يمكن الاطمئنان إليه هو ثبات الرأي العام عند رأي أو موقف، يمكن لحدث ما، قد لا يكون في غاية الأهمية، أن يقلب رأي الجمهور رأساً على عقب بين عشيّة وضحاها، والشواهد من حولنا، في واقعنا العربي، أكثر من أن تحصى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2a394daz

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"