«تيك توك».. الذكاء لأطفالهم والغباء للعالم

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *

بهذه العبارات أثار مقال نُشر في صحيفة (لوفيغاو) الفرنسية يوم 18 Dec. ديسمبر (كانون الأول) الماضي2022، الكثير من التساؤلات وذلك في تلميح واضح للفرق بين النسختين، نسخة «تيك توك» الدولية التي تُصّدَرها للعالم، والنسخة المحلية التي تقتصر على أطفال الصين خاصة من هم دون ال 14 عاماً.

هذه التصريحات التي نُقلت عن (تريستان هاريس) وهو موظف سابق مرموق في (غوغل) قال فيها إن النسخة الصينية تُعرض لمن تقل أعمارهم عن 14 عاماً وتَضم تجارب علمية يمكن تنفيذها في المنزل، أو جولات في المتاحف أو مقاطع فيديو وطنية أو تعليمية، والأهم تحديد استعمال المنصة فقط لمدة 40 دقيقة حيث تتوقف تلقائياً بعدها، وذلك في محاولة لقطع الطريق على مشكلة إدمانها. الجدير بالذكر أن هذه النسخة لا تُصدّر للعالم. لماذا؟ لأنهم يعرفون أن التكنولوجيا تؤثر في تطور الشباب فيختارون لأطفالهم ما يفيد ويصدرون للعالم تيك توك النسخة الدولية التي منذ انطلقت عام 2017 ما زالت المنصة الأكثر انتشاراً والأكثر إثارة للجدل.

نحن في زمن الإعلام الإلكتروني، ولا بد أننا نلاحظ أن هذا الإعلام بدأ يسحب السجادة الجماهيرية من كافة الوسائل الإعلامية لتنضوي تحت غطائه.

بدأت المنصة مسيرتها في صعود لم يسبق له مثيل حيث انطلقت من خدمة (دوي) (Douyi) الصينية، لتطل على العالم الدولي باسم (تيك توك).

ومع بدء المشاهير في استخدام هذا التطبيق ازداد الإقبال عليه واشتهرت «تيك توك» لتنافس ما سبقها من منصات أمريكية شهيرة. أما عن سر هذا الانتشار السريع فيقول المدافعون عن التطبيق.. «هو براعة الفيديوهات والتأثيرات التي تؤمنها المنصة بطريقة سهلة للمستخدم من حيث الخلفية الموسيقية والتأثيرات الصورية (الفلترات) وكونها أول منصة إعلامية اجتماعية تستخدم طريقة الفيديوهات القصيرة المسلية، وفي هذا كانت السبّاقة حيث تبعتها (فيسبوك) في (الستوري) و(إنستغرام) و(يوتيوب) في (Reels)». ورغم تعرضها للحجب أو الانتقادات، استمرت تدافع بشراسة عن مكانتها مرة باعتماد أسلوب مُقنع كمحاولتها تشجيع الإعلان عن طريق تنزيل الرابط وإمكانية الوصول إليه بسهولة لتشجيع المتابعين، وتحميل مقاطع تمثيلية مضحكة من أفلام ومسلسلات مشهورة لتحميلها في مشاهد تمثيلية فكاهية لجعلها أكثر انتشاراً. ومن المميزات التي أدت إلى شهرتها دون أن ننتبه إلى الآثار الجانبية أنها كانت البوابة لاكتشاف مواهب كثيرة انطلقت من هذه المنصة إلى عالم التمثيل والغناء والإعلام.

ولا بد لنا أن نذكر ذكاء القائمين عليها في مزج السم بالدسم، فإلى هذا الجانب المضيء كان الجانب المظلم المؤلم الذي لم تتوان هذه المنصة عن التعاطي به في سبيل شهرتها وتحقيق منافسة عالمية تضمن تفوقها على باقي المنصات. استعملت «تيك توك» الذكاء الاصطناعي وأجادت توظيفه لتحليل اهتمامات الرواد وتفضيلاتهم من خلال تفاعلهم مع المحتوى لضمان إدمان المتابع.

دعونا نتوقف قليلاً عند كلمة (إدمان)، فهي مشكلة العصر وخاصة عند الصغار. هذا التنافس الخطر بين التطبيقات والمنصات بدأ يشكل هاجساً عالمياً ليكون مدار بحوث ودراسات تثير قلق ومخاوف الكثيرين من علماء النفس وعلماء الاجتماع، ولا يجدون لها حلاً سوى تطبيق تحديد ساعات التعامل مع المنصات الإلكترونية حسب توجهها وحسب الفئة العمرية. وهنا نعود لحقيقة أن تطبيق «تيك توك» النسخة الصينية، كما قلنا سابقاً، يتوقف تلقائياً بعد 40 دقيقة، معطياً مجالاً للراحة وكي لا تعتاد العين على ما يسمى إدمان الشاشة.. لكن «تيك توك» النسخة الدولية لا تتوقف، فقط تردّ على هذا الانتقاد بأنها تترك الموضوع اختيارياً للطفل أو للشاب أن يختاروا التوقف بعد 90 دقيقة.

ولا بد لنا من الاعتراف بأن هذا التطبيق أثار الكثير من الجدل في مسابقات الموت التي كان المراهقون يسعون اليها لكسب المزيد من المشاهدات التي كانت تُترجم مادياً بمكاسب خيالية.

يشير (تريسان هاريس) الذي أدلى بكل التصريحات المثيرة عن النسختين المختلفتين من «تيك توك» أن استطلاعات الرأي أثبتت أنه عندما سُئل الأطفال في أمريكا عن طموحهم المستقبلي أجابوا (أن نكون مؤثرين في الإعلام الاجتماعي)، وعندما سُئل الأطفال في الصين عن طموحهم المستقبلي أجاب معظمهم (أن نكون رواد فضاء). وفي هذا الاستطلاع الجواب لكل ما يدور من أذهاننا من أسئلة عن اختلاف النسخة الموجة للطفل الصيني عن النسخة الموجه للعالم.

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mxwa59n

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"