في تنمية الإبداع والغزارة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

هل من حرج وسوء ارتدادات وراء طرح كهذا لا يخلو من معاتبات؟ لا بدّ من وصف الواقع الثقافي بكل خصائص مكوّناته المشوبة بالخصاصات. السؤال مشروع، وليته يغدو مشروعاً ثقافياً: ما علّة انخفاض منسوب الأعمال الإبداعية القادرة على عبور غاب القرون إلى برّ أمان الخلود؟ ما سبب تواري العبقريات التي تشع أنوارها بعناقيد الشموس؟ ما هو سرّ اختفاء تعدّدية الإبداع؟ 
قال القلم: السر أظهر من أن يخفى. هل يمكن أن تعثر على فرائد اللآلئ في غدير، في جدول أو حتى في بحيرة؟ بتعبير حافظ إبراهيم: «أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ». أمس تحدّثنا عن أبي العلاء في موسوعيته وتعدّد إبداعاته. خذ مثلاً: جلال الدين الرومي، قبل بزوغ شمس نبوغه شاعراً في الثامنة والثلاثين، كانت له حلقات درس في التفسير والحديث، كان يتقن الفارسية والتركية واليونانية والعربية، كان متبحّراً في الفلسفة، محيطاً بالتاريخ والأديان والمعتقدات والفلك، ملمّاً بالموسيقى ومقاماتها، قال الشعر في خمسين وزناً، أي أنه أبدع بحوراً لم تكن في عروضي العربية والفارسية (بحور الفارسية هي العربية، ولكن بتصرف إيقاعي موسيقي غير خليلي)، غزلياته الصوفية أربعون ألف بيت، و«المثنوي المعنوي» ستة وعشرون ألف بيت، يتجلى في الأخير الصوفي والفيلسوف معاً. 
الراحل الدكتور بديع الزمان فروزانفر أحصى في أعماله عشرة آلاف بيت لم يسبقه أحد إلى معانيها وصورها. السؤال: ما هي إمكانيّة النسج على هذه التعدّدية الثقافية، بذهنيّة زماننا؟ لهذا المشهد المفعم بالإبداع والغزارة صور في كل اللغات، فهل نكتفي بالقول إن هذه الظاهرات العظيمة فلتات لا يمكن التخطيط لإيجادها وتنميتها أو التحكم فيها وتوجيهها؟ أليست هذه مبالغة في الاستسلام للمصادفات؟ على التربويين البحث عن أقرب الدروب إلى اكتشاف الموهوب. 
الأسرة والمدرسة كلتاهما يجب أن ترفعا شعار أو بما «نستطيع». الموهبة الأدبية تظهر عادة منذ المراهقة، وقد تتأخر كثيراً، فلا قاعدة مطلقاً، لكن الفكرة الذهبية هي أن تفتح الأسرة والمناهج والنوادي الثقافية كل الآفاق المعرفية والعلمية والأدبية والفنية منذ نعومة الأظفار بلا حدود. الطفل ليس صغيراً حتى نؤجّل تنمية مداركه وقدراته الذهنية ومواهبه إلى أن يبلغ أشدّه. دماغ الطفل قادر على امتلاك لغات عدّة وخبرات شتى ومهارات فنية متنوعة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التوكلية: على الأسرة والمناهج والمؤسسات المدنية أن تقوم بواجباتها وتترك للزمن بزوغ شموس المواهب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wmtk58e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"