عادي

أدب الأحلام في التراث العربي

21:02 مساء
قراءة دقيقتين
سيميولوجيا سرد الأحلام في التراث الأدبي

القاهرة: «الخليج»

شغلت الأحلام قديماً وحديثاً الإنسانية بالتفكير فيها والاهتمام بها، رواية وتأويلاً، واضطلعت في تاريخ الأفراد والجماعات البشرية بوظائف كثيرة متنوعة، أسهمت في ظهور وتطور تصورات غيبية وفلسفية ومعرفية للحلم، وتعريفه وتحديد أقسامه وقواعد تعبيره وتأويله، كانت الأحلام وسيلة الإنسان لتفسير ظواهر إنسانية وطبيعية، وللاطلاع على أخبار الغيب المختلفة، وشكلت إلهاماً ودليلاً دامغاً على وجود عالمين: عالم ظاهر موجود بالقوة، وآخر غائب له وجود ذهني نفسي.

الحلم باب من أبواب المعرفة عند الصوفية، وخيال يعبر عن إدراك الحواس لحالة الجسد في أثناء النوم، وعبور انشغالات عقل الإنسان بالنهار على سكون نفسه في الليل، والحلم نص ومكون تخييلي إبداعي عبر به الإنسان عن إشكالاته ومآزقه ورغباته وأسئلته الوجودية الذاتية الفردية والجماعية، ومن خلاله عبر إلى عوالم ممكنة وأخرى محتملة مناماً ويقظة، وهو ما يجعل منه نتاجاً للوعي واللاوعي الإنساني.

يتناول إبراهيم أزوغ في كتابه «أدب الأحلام وأحلام الأدب دراسة تاريخية نقدية» الصادر عن دار رؤية للنشر والتوزيع، نصوص الأحلام وعلوم تأويلها في الثقافات الإنسانية قديماً وحديثاً، تناولاً تاريخياً نقدياً، فخصص فصله الأول للتصورات الإنسانية الأولى للحلم، وتجليات الاحتفال به في النصوص المقدسة، وفي الإبداع الأسطوري الإنساني، موصولاً بتحليلات نصية لنصوصه، وبحث في تحديدات الحلم الاصطلاحية والمفهومية، وآليات تعبيره في الحضارات القديمة: البابلية والفرعونية واليونانية وفي الحضارة الغربية الحديثة، وخاصة ما قدمه التحليل النفسي من دراسات لطبيعته وطرق تشكله وآليات تأويله.

وفي الفصل الثاني يستكمل المؤلف البحث في التصورات الإنسانية للحلم، من خلال الوقوف على تصور الإنسان العربي له، قبل الإسلام وفي ظله، انطلاقاً من الأحلام الواردة في القرآن الكريم وكتب السيرة النبوية، وما قدمته مؤلفات علم التعبير، انتهاء إلى البحث في ما ورد في مؤلفات الفلسفة والتصوف والتاريخ والتراجم والأدب من أحلام.

تعددت الأحلام وتنوعت نصوصها في المؤلفات العربية قديماً وحديثاً، بين أحلام نفسية حقيقية وأحلام أدبية، وانتقلت من ورودها نصوصاً قصيرة ضمن نصوص إطار في الكتب المقدسة وكتب التراجم والسير، وفي الحكايات العجيبة والمجاميع القصصية والنصوص الروائية، إلى نصوص حلمية وحقيقية وأدبية مكتملة، مثلما نجد في كتاب «المنامات» لأبي سعيد الوهراني، و«المرائي» لمحمد المعطي بن صالح الشرقي، وفي «أحلام فترة النقاهة» لنجيب محفوظ، ما يجعل من نص الحلم خطاباً ثقافياً، ومرآة تعكس صور الحياة النفسية والاجتماعية لحالمها في تعددها وتحولاتها، مثلما يقدم تاريخ تعبيرها صورة لتطور علم التأويل، والتحول الحاصل في العلوم من ربطها للظواهر الإنسانية بالغيب إلى ربطها بالإنسان وشروطه.

استمر الاحتفال بالحلم وصولاً إلى العصر الحديث، حيث لقي اهتماماً واضحاً في الأبحاث العلمية والثقافية الغربية الحديثة والمعاصرة، باختلاف تصوراتها ومجالات اشتغالها ومناهجها، في البحث، ولا تنفصل أغلب هذه التصورات رغم جدتها عن التصورات الفكرية القديمة، بل شكلت امتداداً وتطويراً ثم تجاوزاً لها، خاصة مع علم التحليل النفسي، بتأسيسه لنظريات ومناهج أخرى مختلفة، لدراسة الحلم وتأويله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt3zwhxr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"