عادي
تحذير من سلوكيات مسكوت عنها

التنمر.. إيذاء يتخفى وراء المزاح

23:33 مساء
قراءة 5 دقائق

تحقيق: مها عادل

التنمر، إيذاء نفسي وبدني، وربما اقترن بالأطفال والمدارس، لكنه في الواقع، مرتبط بمفهوم الإساءة التي يمكن أن تُمارَس ضد فرد، أو فئة، لا يقتصر على عالم الأطفال، بل هو سلوك يمكن أن ينتشر بين الكبار، سواء بين أفراد الأسرة، أو زملاء العمل، أو حتى في جماعات الأصدقاء، وقد يتسم هذا الإيذاء بشكل من العنف والعدائية المباشرة التي عادة ما تحفز الفرد على مواجهتها، لكن النمط الأخطر هو ذلك المستتر تحت غطاء المزاح، بإطلاق الألقاب أو الصفات، وقد يُقْدِمُ أفرادٌ على ممارسة التنمر بالآخرين، وقد يُغلِّفون تنمرهم اللفظي تحت مسمى «الصراحة».

تقول حنان محمود، موظفة: «أعترف أنني كنت أمارس هذا النمط من التنمر بحسن نية، ولا أعلم أن مصارحة بعض صديقاتي بعيوبهن بطريقة ساخرة يعتبر مؤذياً، فقد كنت أعتقد أن مساحة المودة بين الصديقات تسمح لنا بالعفوية في التعامل، لدرجة قد تجعلنا نسخر من أنفسنا أحياناً، ومن بعض الصفات والسلوكيات التي توجد لدينا، ولم ألحظ يوماً تعبيرات وجه صديقتي التي طالما نالت مني النصيب الأكبر من السخرية بسبب خجلها الشديد وقلة خبرتها بالحياة وتعثرها بسبب ذلك في كثير من المواقف، إلى أن قررت الصديقة الانزواء تماماً، والبعد عن تجمعات الأصدقاء، ورفضت الرد على مكالمات الهاتف، ثم علمت بعدها أنني وكلماتي غير المحسوبة، والتي تخلو من مراعاة مشاعرها، رغم علمي بحساسيتها، وضعف شخصيتها، كانت السبب في انطوائها، وهكذا خسرت صديقتي التي كنت أشعر تجاهها بود، وكنت أشعر بالمسؤولية تجاهها، والحرص على تقديم النصيحة لها، ولم يخطر لي أبداً أن سخريتي منها، تنمر، حتى صارحتني صديقة أخرى بذلك».

مشاكل عائلية

تشاركنا د. معالي فياض، أستاذة جغرافيا سياسية، رؤيتها لسلوكيات التنمر بين أفراد الأسرة، وتأثيرها، فتقول: «جدة الأولاد كانت تصر على السخرية من سلوكيات أحفادها خلال التجمعات العائلية التي عادة ما كانت تقام في منزلها، لدرجة أنها كانت تطلق ألقاباً ساخرة على كل طفل وشاب من أحفادها، وعادة ما كانت تتمادى في هذا المزاح المؤذي لدرجة قد تصل للإيذاء البدني بدافع المداعبة». وتتابع: «كان ابني الأصغر من بين الأحفاد الذين تعرضوا للسخرية، وكان حينها في بداية سن المراهقة، وبسبب سخرية جدته من شكله وطريقة تصفيف شعره وملابسه أمام أبناء عمومته وأفراد الأسرة الذين كانوا يضحكون ويستطردون بالإيذاء غير المقصود، لكنهم لم يدركوا حينها انزعاج ابني، وشعوره بالحرج الشديد، لدرجة جعلته لا يرغب في زيارة جدته أو حضور التجمعات العائلية، بسبب خوفه من الأذى، ولم يستطع الإفصاح عن السبب أو انتقاد سلوك جدته وأفراد العائلة، وتسبب رفضه الانضمام لنا في المناسبات العائلية في توتر العلاقة مع والده وفجوة مع أبناء عمومته، ولم ندرك ذلك، إلا بعد مرور وقت طويل وإفصاحه عن مشاعره للأخصائي النفسي بالمدرسة».

سلوك مؤذ

تقول نانسي سعد، أخصائية تجميل: «لا أعتقد أن المزاح والدعابة بين الأهل والأصدقاء المقربين سلوك مؤذ على الإطلاق، فالعلاقات الإنسانية تمنح أعضاءها مساحة من التقارب والمودة والفهم الجيد لمقاصد الكلام ونوايا الأشخاص، ومن الصعب وجود سوء فهم أو تعمد للإيذاء عبر استخدام المزاح والضحك والدعابة التي يتخللها شيء من السخرية الفكاهية التي تعتبر سمة أساسية من سمات تجمعات الأهل والأصدقاء، فالتقارب يمنح الأفراد الحق في إطلاق النكات أو حتى الألقاب الساخرة من دون إثارة إزعاج أو اعتبارها إهانة، خصوصاً أنه كلما زادت العلاقات مودة يتخلى الفرد عن حذره في الكلام، ويكون سلوكه عفوياً، من دون التفكير في كلمة أو لفظ».

وتتابع: «أعتقد أن من أهم سمات التنمر، استهداف شخص بعينه، وتعمد إيذائه، نفسياً أو بدنياً، بينما السلوك العفوي، والبعد عن التحفظ بين أفراد الأسرة، سلوك طبيعي يضمن استمرار القرب والمشاعر، ومحاولة وضع قيود على شكل العلاقة وملامحها حتى بين الأهل، فقد يفسد العلاقات ويصيبها بالبرود والجمود، ومن يعتبرها تنمراً، فهو يبالغ بما لا يليق بطبيعة العلاقات العائلية».

ممارسات

يتحدث علي اليافعي بمرارة عن مشاهداته في محيط العمل من ممارسات مؤذية ترتقي للتنمر المسكوت عنه بين الزملاء، ويقول: «هناك ممارسات في مجتمع العمل تُرتكب بحسن نية، رغم أنها قد تترك أثراً سلبياً في الآخرين، وأهمها يظهر جلياً وقت الاستراحة، حيث يمكن أن نرى أساليب متعددة من السخرية والمزاح بين الزملاء، على سبيل المثال قد يتشارك عدد منهم في السخرية من أسلوب أحدهم في تناول الطعام، أو حتى من اختياراته لوجبة الطعام التي يفضلها، بينما يستغل البعض أحياناً أجواء المزاح في سرقة طعام أحد الزملاء وإخفائه، حتى ينتهي وقت الطعام من دون أن يتناول طعامه، ومساومته أحياناً لاسترداده، وغيرها من السلوكيات التي قد تُعرِّض البعض لحالة من التوتر والغضب ومغادرة قاعة الطعام منزعجاً، لكن وسط ضحك الجميع، وبالفعل من يتعرض لهذه السلوكيات قد يجدها تنمراً غير محتمل، لكنه مغلف بالضحك، ما يصعب عليهم فرصة العتاب أو الرفض».

تصنف د. داليا بديوي، أستاذ مساعد علم النفس ومدير وحدة الإرشاد النفسي بجامعة عجمان، أشكال التنمر، مؤكدة «أن أكثرها تأثيراً في الآخرين، وإن أخذت شكلاً متخفياً، ما نطلق عليه التنمر المتحامل، القائم على الصور النمطية والمخاوف التي يشعر بها الأشخاص تجاه المختلفين عنهم، فيلجأون إلى الإساءة إليهم، اعتماداً على موروث من صور نمطيه، أو لإشاعة جو من الضحك أثناء اللقاء».

وتتابع: «ينشأ التنمر المتحامل من اعتقاد مضلل، أو مكتسب، بأن مجموعات معينة من الناس تستحق أن تُعامل باختلاف، أو باحترام أقل، وتكمن خطورة هذا النمط من التنمر في أنه غالباً ما يفتح الباب للكراهية». وتضيف: «رغم خطورة هذا النمط من التنمر الذي قد يحدث في المدرسة أو المنزل أو الشارع وغيرها من الأماكن، فإننا يجب أن ندرك ضرورة التعامل معه ومواجهته، والخطوة الأولى هي استيعاب ضحايا هذا التنمر بالتأكيد أن لا شيء يعيبهم، وأنهم ليسوا مسؤولين عما يقوم به الآخرون تجاههم من إساءة، ولا يلومون أنفسهم قطعياً».

4 نصائح للمواجهة

تقدم د. داليا بديوي أربع نصائح لمواجهة التنمر، وهي:

1) واجه المتنمر: أفضل طريقة لوقف المتنمر هي الدفاع عن نفسك. كن مباشراً، وأخبر المتنمر بما يزعجك بشأن سلوكه.

2) أبلغ شخصاً مسؤولاً: لا بد أن تتأكد أنك لم تفعل خطأً، ويجب ألا تتحمل الإساءة، وبذا فمن المفيد توثيق الطرق التي تتعرض فيها للتنمر، مثل رسالة إلكترونية أو ملاحظات كُتبت لك للإساءة أو تسجيل صوتي أو كتابي.

3) تكلم عن الأمر: عليك أن تثق بعائلتك وأصدقائك بشأن الإساءة التي تتعرض لها. قد يكونون قادرين على تقديم الدعم والتشجيع خلال هذا الوقت.

4) لكي ننجح في إيقاف التنمر، علينا التكاتف كمجتمع، وتتنوع أدواتنا لتحقيق ذلك، بإمكاننا سن القوانين الرادعة، وتقديم برامج حماية للمتنمَّر عليهم، وبرامج علاجية وتدخل نفسي لرعايتهم، وينبغي الإشارة إلى أن دراسة أسباب تنمر الشخص ذاته قد تحتاج إلى دراسة متأنية، لأنها تكشف عن سبب هذا السلوك غير السوي، ويمكننا إنقاذ المتنمِّر نفسه من أن يستمر كشخصية باعثة على توتر الآخرين وإيلامهم إلى شخصية أكثر اعتدالاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v9m7yf6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"