جيل الضياع

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

بعد الحرب العالمية الأولى، أطلق العديد من الكتاب والأدباء على الجيل الذي بلغ مرحلة الرشد خلال هذه الحرب، مصطلح «الجيل الضائع»، ذلك أن أبناء هذا الجيل شاركوا أو شاهدوا ويلات الحرب العالمية الأولى، التي دمرت الكثير من أحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم نحو المستقبل، ومن هؤلاء الكتاب الكاتب الأمريكي الشهير أرنست همنغواي الذي اختار الحياة في باريس.

ويعبر همنغواي عن هذا المصطلح في روايته «وليمة متنقلة»، أصدق تعبير قائلاً، إن هذا المصطلح أطلقه في الأصل مالك مرأب على شاب ميكانيكي يعمل لديه فشل في إصلاح سيارة بصورة مرضية له، حيث صرخ مالك المرأب في الشاب وقال له: أنت من الجيل الضائع.

في الحقيقة ما قادنا إلى هذه السطور القليلة، هو ذلك الضياع الكبير الذي بات يعيشه الملايين من الشباب العرب في العديد من الدول العربية التي اجتاحتها عاصفة ما سمي ب«الربيع العربي» حيث يعاني هؤلاء الشباب من حالات ضياع حقيقي، لا سيما في سوريا التي شهدت أكثر صفحات الربيع العربي دموية. ففي هذا البلد العربي المدمر، يمكن التوصيف الحقيقي لمصطلح الجيل الضائع، فكما هو معروف فإنه خلال العقد الذي سبق الصراع في سوريا، بلغ متوسط النمو الاقتصادي 4.5% سنوياً، بينما انخفضت معدلات البطالة في صفوف الشباب من 26% في العام 2001 إلى 20% في 2010. جاء ذلك نتيجة النجاح الملحوظ الذي حققته البرامج المُعدة لإدماج الشباب اقتصادياً، من قبيل برامج تنمية المشاريع الحرة وريادة الأعمال، رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب تفشي الفساد والمحسوبية.

لكن منذ العام 2011 أدى الانهيار الاقتصادي المصاحب للصراع إلى خسائر فادحة في فرص عمل الشباب في القطاعين العام والخاص. وارتفعت معدلات بطالة الشباب ارتفاعاً بالغاً وصل إلى 78% في العام 2015، وبات الوضع اليوم خطيراً للغاية لدرجة أن استراتيجيات سبل العيش المتاحة لم تعد كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية لملايين الشباب، ناهيك عن الخسائر الكبيرة في الأرواح حيث أسفر الصراع عن أكثر من 500 ألف قتيل و6 ملايين لاجئ ونزوح من 7 إلى 8 ملايين شخص داخلياً.

وحسب الكثير من التقديرات يوجد اليوم أكثر من 13 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. وانخفض متوسط العمر المتوقع للأطفال في سوريا بمقدار 13 عاماً مما كان عليه قبل اندلاع الصراع، فيما اضطر أكثر من 1.75 مليون طفل إلى الأقل إلى ترك مقاعد الدراسة، كما وصلت معدلات البطالة في البلاد بين كافة السكان البالغين إلى 50% في حين بلغت 78% في صفوف الشباب. مع ملاحظة أن هذه التقديرات أُحتسبت قبل اندلاع جائحة كورونا والعقوبات الأمريكية المفروضة بموجب قانون قيصر والانخفاض الكبير لقيمة الليرة السورية.

وفيما لا تزال سوريا تعتبر أضخم أزمة نزوح في العالم، ناشدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العالم ألا ينسى أو يغفل الاحتياجات المتزايدة للنازحين واللاجئين السوريين داخل البلاد وخارجها، وذلك بعد 11 عاماً على اندلاع الأزمة،

حيث يعيش معظم اللاجئين السوريين في المنطقة في حالة من الفقر. ولا تبعث الآفاق المستقبلية على التفاؤل بالنسبة للفئات الأكثر ضعفاً من بينهم، مثل الأمهات من دون أزواج والأطفال الذين يعيشون دون وجود من يرعاهم، إضافة إلى الأشخاص من ذوي الإعاقة.

وبسبب هذه الظروف الصعبة يضطر الأطفال للخروج من المدرسة من أجل العمل، فيما حالات الزواج المبكر آخذة في الارتفاع، خاصة بين العائلات الأكثر فقراً. أما المكاسب التي تحققت في مجال الوصول إلى فرص التعليم والرعاية الصحية فهي معرضة لخطر التلاشي.

وبكل تأكيد فإن الحالة السورية ليست فريدة بالنسبة للدول التي اجتاحتها اضطرابات ما سمي بالربيع العربي، زد على ذلك أيضاً الأزمات التي خلفها وجود ملايين اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، التي تعاني هي أيضاً من مشكلات اقتصادية، مثل لبنان والأردن بشكل خاص.

وقد تبدو المشكلة أكثر تعقيداً بالنسبة لمئات الآلاف من الشباب العرب الذين قذفت بهم الصراعات الداخلية في بلدانهم إلى الدول الغربية، حيث يعاني قسم كبير منهم من صعوبة الاندماج في المجتمعات الغربية، لا سيما في ظل تنامي ظاهرة العنصرية واليمين المتطرف في هذه المجتمعات

أخيراً، يمكن القول إنه رغم ما حققه الكثير من الشباب العرب في أماكن اللجوء، إلا أن سمة الضياع مازالت لصيقة بالكثير منهم، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول مستقبل جيل كامل، وجد نفسه بين ليلة وضحاها فريسة للصراعات المسلحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dwx433v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"