ليس كل ما يعرف يقال

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

على الرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة، ومعاناة الأغلبية من البريطانيين مع أسعار الطاقة والغذاء، طغت أخبار الأمير هاري نجل الملك تشارلز الثالث على العناوين هذا الأسبوع مع صدور كتابه «الاستبن» الذي يتضمن انتقادات حادة لعائلته بما في ذلك شقيقه ولي العهد الأمير ويليام وزوجة أبيه، الملكة القرينة كاميلا باركر- بولز. غالباً ما تحب الجماهير أخبار الإثارة، من حوادث وفضائح. لكن أيضاً أخبار العائلة المالكة في بريطانيا تحظى باهتمام خاص لدى أغلبية الشعب، حتى من لديهم تحفظات على الحكم الملكي. فالتاج البريطاني رمز للهوية الوطنية لدى كافة البريطانيين.

ربما لا يحمل الكتاب بين طياته أكثر من اتهامات أشد قساوة للعائلة المالكة أطلقها هاري وزوجته الأمريكية ميغان ماركل وصلت إلى حد اتهام أفراد العائلة بالعنصرية في مقابلة لبرنامج أوبرا وينفري. مع ذلك، اصطف البريطانيون أمام المكتبات لشرائه هذا الأسبوع وأفردت الصحف ووسائل الإعلام مساحات واسعة لتغطية إصداره.

مشكلة الكتاب أنه في أغلبه حكايات شخصية عن أمور تحدث في أي أسرة، ولا يختلف وضع الأسرة الملكية عن غيرها في هذا السياق. وبغض النظر عن مدى صحة الاتهامات التي ذكرها هاري في كتابه، فالأهم أنه لا يبدو فيها ما له فائدة للمصلحة العامة. حتى الاتهام الوحيد الذي أطلقه هاري وزوجته لأفراد العائلة بالتمييز ضد ميغان وطفلها على أساس اللون عاد وتراجع عنه في مقابلة تلفزيونية للترويج للكتاب هذا الأسبوع.

إنما القليل الذي قد يهم الناس، فهو معروف من قبل مشاكل هاري وزوجته مع عائلته التي أدت إلى تجريده من ميزاته الملكية. ويبدو إسراف الأمير وزوجته في التصريحات الفضائحية، لأغراض مالية بالأساس، وأيضاً للنيل من العائلة الملكية على أمل أن يؤدي الابتزاز إلى تسوية ما، وكأنه يأتي بنتائج عكسية. فباستثناء بعض التعاطف المنافق من ناشطين ينتصرون لميغان لأنها امرأة وملونة يفقد الأمير هاري تعاطف الكثير من البريطانيين الذين ربما تفهموا أسباب غضبه من قبل. هذا الكتاب، ينتهك فيه هاري الحكمة التقليدية بأنه «ليس كل ما يعرف يقال». ليس من باب التغطية على المشاكل، لكن لأن ما هو شخصي وعائلي يظل كذلك ولا حاجة إلى الجمهور الواسع معرفته.

لا يعني كل ذلك أن عائلة وندسور في بريطانيا لا تعاني المشاكل، ولطالما تمكنت الملكة الراحلة من «لملمة» مشاكل العائلة و«كنسها» تحت سجادة الاحترام الذي يكنه البريطانيون لها وللعائلة المالكة بقيادتها. لكن كل ذلك الذي يعتبره البعض «شفافية» و«إفصاحاً» من الأمير هاري ليس سوى حملة من أمير غاضب لأنه عوقب على تصرفه من عائلته وزوجته التي تُعرف مسيرة حياتها بالانتهازية. وبالطبع يضر بالعائلة لمالكة وسمعتها، لكنه أيضاً يضر بصاحب الحملة وزوجته.

هناك ملاحظة قد تكون عابرة، لكن دلالتها مهمة جداً في الواقع. اختار الأمير هاري عنوان الكتاب من مزحة تتسم بالمرارة على لسان الملك تشارلز الثالث يوم كان ولياً للعهد حين قال لزوجته الراحلة الأميرة ديانا لدى ولادة ابنها الثاني هاري: الآن أتيت بولي عهد و«استبن»، قاصداً ولي العهد الحالي الأمير وليام شقيق هاري الأكبر وأن هاري احتياطي لولي العهد. ويبدو أن كل «استبن» في عائلة وندسور كان مشكلة لنفسه وللعائلة ككل. من الأميرة مارغريت أخت الملكة الراحلة اليزابيث الثانية التي لم تنته فضائحها إلا بموتها. فقد أحبت ضابطاً متزوجاً يعمل في القصر، وعندما طلق زوجته رفضت الكنيسة زواجهما، فتزوجت آخر أنجبت منه ثم طُلقت، وكانت الصحف الصفراء تتابع أخبارها المثيرة بشكل دائم.

الأرجح أن كتاب «الاستبن» لن يكون آخر حلقات حملة هاري وزوجته ميغان على العائلة المالكة، طالما استمرت تلك المقابلات والكتب في توفير الملايين للزوجين المهاجرين. كما أن التزام العائلة المالكة الصمت تجاه فضائح الكتاب ربما يغري الأمير بمزيد من إفشاء أسرار القصر، أو هكذا سيصورها. لكن في النهاية للضرر حدود، وإذا لم ينل كل هذا التشويه من مكانة العائلة لدى الشعب البريطاني بالقدر الذي يهدد مستقبلها، فإن الضرر الأكبر سيكون على هاري وزوجته ميغان. وهو ما يبدو الآن بعد صدور الكتاب، وهو ضرر لن تعوض خسائره الملايين التي يجنيها الزوجان من نشر الفضائح.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kfe2kd6

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"