الشهيّة في السبحة النووية

01:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

هل جعلت الأسلحة النووية العالم أقلّ نزوعاً نحو الحروب؟، وهل ضاعفت شراستها وكأنّها سبحة بين أصابع قادة الدول الكبرى؟

في الجواب عن السؤال الأوّل، أستعيد قول روبرت أوبنهايمر «والد القنبلة النووية» بعد صنعها: الآن، «أصبحت أنا الموت مدمر العالم». صحّ قوله بالقنبلة النووية التي أسقطتها أمريكا فوق هيروشيما (3 آب/ أغسطس 1945)، ودفعت البشرية بلحظة ما تكبّدته من ضحايا في الحرب العالمية. قفز الرعب البشري متجاوزاً بعدها الأمم، لتتوزّع حول طاولات المنظمات الدولية المستديرة التي لم تتهشّم عبر عقودٍ، لكنّ الدول النووية خزّنت 22 ألف رأس نووي، وكلّ رأسٍ خزّن 33 ضعف قنبلة هيروشيما.

في الجواب الثاني، تتفاقم التهديدات النووية التي تُطلق عبر الحرب الأوكرانية الروسية، وينخرط فيها العالم بصفتها الحرب العالمية الثالثة. لم تكن روسيا لتبدو نائمة بعد سقوط الاتّحاد السوفييتي، بعدما تقدّم بوتين مستعيداً عظمته الدوليّة من سوريا مقابل تركيا وعبر المشاهد المتواترة بانقطاع خيط الردع للسبحة النووية، لماذا؟

لأنّ روسيا تمتلك أكبر مخزون نووي في العالم قوامه 5977 رأساً حربياً، بينها 977 تستطيع تسوية مدنٍ بالأرض، ومحوها عن الخرائط، وقدّمت أسماءها: صاروخ «سارمات» الذي يصل مداه إلى 11000 ميل، و«ياريس» إلى 7500 ويصعب تعقبهما، إلى أسلحة نووية تكتيكيّة تقتل أكبر عدد من الجنود، إلى صاروخ «كينزال» الذي يُطلق من الطائرة وتفوق سرعته سرعة الصوت ب12 ضعفاً، ثمّ الغوّاصة «بوسايدون» التي تتخفّى تحت الماء لسنوات قبل أمر إطلاق قذائفها المساوية 2 ميغا طن بما يتجاوز انفجار هيروشيما ب130 مرّة.

تفتّقت العبقريات الرمادية في هذا العصر، إذن، عن أسلحة تتجاوز الأهوال النووية التي دمغت ذاكرة البشرية، لكنها أسلحة توازن؛ حيث تحفظ مكانات الدول، ويستعصي استعمالها بخفّة، لكنّ مستقبل البشرية يبقى مهدّداً أمام لحظة جنون للضغط، تضغط على 7 مفاتيح موزّعة على 7 مرجعيات عسكرية، الأمر الذي يستدعي الهدوء، فيبقى النووي سلاحاً للتهديد لا للاستعمال.

وهنا تأريخ مختصر ومفيد للسبحة النووية:

الدولة الأولى التي امتلكت السلاح النووي هي أمريكا. اختبرت تفجيرها الأوّل في صحراء نيومكسيكو 61 تموز/يوليو 1945 ثمّ ضد اليابان 6 و9 آب/ أغسطس 1945. حاولت احتكاره قانونياً في الأمم المتحدة عبر مشروع «برنار باروخ»، لكن الاتحاد السوفييتي رفضه وامتلك بدوره سلاحه النووي في 1949. وقع الرعب النووي يومها في الغرب، وكرّت الدول نحو النووي:

بريطانيا (1952)، فرنسا (1960)، الصين (1964). تمّ عقد العظمة بين الدول الخمس الظافرة في الحرب العالمية الثانية بحق النقض أو «الفيتو» الدولي. ثمّ صعدت باكستان (1974) سلّم البحث النووي، وتبعتها الهند، تحقيقاً للتوازن في القوة معها بعد صراعهما الطويل؛ وذلك حتى (1998)؛ حيث قامتا بتجاربهما النووية رسمياً، وبقيتا خارج النادي النووي أو خيط السبحة، وبإلحاح مشترك لنزع شاملٍ عالمي للسلاح النووي. شاب المناخ الدولي غموض نووي بعدها عندما امتلكت إسرائيل القنبلة النووية، ومثلها جنوب إفريقيا التي تراجعت وتخلّت عن برنامجها النووي، ومثلها فعلت البرازيل والأرجنتين. الحقيقة أنّ الشهوة النووية طغت على معظم الدول المسكونة برعب هيروشيما وناجازاكي لكنها المحكومة بكُلفها الباهظة المتجاوزة لإمكاناتها والخاضعة لضغوطات أمنية وسياسية عُظمى.

أعلنت اليابان (1993) عن إمكانية بلوغ برنامجها نضجه النووي، خشية قيام قوة كورية نووية موحّدة، وخصوصاً كوريا الشمالية التي عادت لتظهر دولة نووية متقدّمة؛ بل ومتحدّية بصواريخها للدول العظمى قاطبة.

كانت مكسيكو عاصمة المكسيك، الأولى التي تمّ فيها توقيع 14 دولة على معاهدة «تلاتيلولكو» بتحريم السلاح النووي في أمريكا اللاتينية، وبوشر بتنفيذها ( 25 كانون الثاني/يناير )1969. وبعد عقدٍ من المفاوضات الصعبة في الأمم المتحدة، تمّ توقيع 189 دولة على معاهدة المنع والحدّ من إنتاج الأسلحة النووية أو المساعدة على إنتاجها أو الحصول عليها أونقلها وانتشارها (1 تموز/يوليو 1968 ) وبوشر بتنفيذها في 5 آذار/مارس 1970.

هكذا أُعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من النووي وفقاً لمعاهدة دولية تشرين الأول/أكتوبر1967 تحكم أنشطتها مبادئ عمليات اكتشاف الفضاء بما فيه القمر والأجرام السماوية الأخرى، وتسري المبادئ نفسها على قعر الأرض وأعماق البحار والمحيطات ( معاهدة 18 أيار/مايو 1972).

أزال وزير الاستخبارات دان ميرور الغموض الإسرائيلي النووي خلال القمة النووية (12-13 نيسان/ إبريل 2010) بإعلانه عن مفاعلين في النقب جنوب إسرائيل؛ هما «ديمونا» و«ناحال شوريك» وباتت إيران اليوم الوحيدة التي يتصدر ملفها النووي هواجس الطاولات الدولية الموسّعة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46a25x64

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"