خواطر في عيون الزمان

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تفكّرت في كلمة عصر، ما أعجب تلوّن مدلولاتها ومعانيها؟ تتقلص حتى لا تعدو أن تكون سنين معدودات، عصر الشبكة العنكبوتية، وعصر الذكاء الاصطناعي، أو على قياس آدمي: عصر المتنبي أو موتزارت أو بونابرت. تتمطى المفردة قليلاً فإذا الأدب المعاصر مئة وخمسون عاماً. ثم العصر الوسيط بضعة قرون. العصر إمبريالي لا حدود لجموح توسّعه، فالعصور الجيولوجية عشرات آلاف السنين أو مئات ألوفها، لكن هذه لا شيء، فعالم طبقات الأرض يقول لك أحياناً: هذه الصخرة شابة، لا تتجاوز سنّها 250 مليون سنة، وضلع هذا الديناصور تعود إلى مئتي مليون سنة؛ أي بداية عصر الدناصير.

كل ذلك يبدو زحف حلزون قياساً على السرعات «الفرط صوتية»، فما بالك بسرعة الضوء. المنظار جيمس ويب تجاوز بكثير تلسكوب هابل، فقد رصد أول مرة في تاريخ الفلك، مئات المجرات التي ترجع إلى طفولة الكون، حين كانت أظفاره ناعمة، وكان غضاً ندياً، وسنه لم تتعد المليار الثالث من عمره المبارك. اليوم، ما شاء الله، اشتدّ عوده فسنّه الآن 13.7 مليار عام. المعطيات التي حصل عليها علماء الفيزياء الفلكية بفضل المنظار، قلبت الكثير من المفاهيم التي كانت تشبه القناعات.

فقد أظهرت الصور الدقيقة للكون في صباه، أن المجرات كانت أكثر تنوعاً على نحو مذهل، قياساً على أنواعها في الأزمنة الحديثة، وأكثر عدداً في أشكالها، خصوصاً في أنواع المجرات الدائرية المسطّحة والحلزونية.

المؤسف، هو أن الكون قضى 99 % من قرابة أربعة عشرة مليار عام، غير قادر على إنجاب المادة العضوية التي تنبعث منها الحياة. لكن بالمقارنة، كانت المسافة بين ظهور البكتيريا الأولى، وبين الآدميين الذين صنعوا آلاف القنابل النووية، القادرة على نسف الكوكب ومن وما عليه، بضغطة زر، مثل الومضة. نسف الأرض قبل أن يرتدّ إلينا الطرف، فلا مهلة حتى لتحرير النبأ العظيم ونشره.

ماذا كان أبو العلاء يقصد بقوله: «طويل الأزمان والآباد؟»، ما ردّ فعله لو قال له أحد الفيزيائيين الفلكيين: إنني أرى من خلال منظار جيمس ويب، ثمانمئة مجرة مما قبل أحد عشر مليار سنة؟ في عصر المعري كان السائد هو أن المسافة الزمنية الفاصلة عن الإنسان الأول ستة آلاف عام. لا عجب، فحتى مطلع القرن العشرين، كان العلماء يظنون أن سكة التبّانة هي الكون كله، إلى أن جاء الفيزيائي هابل بواقع تعدد المجرات. جيمس ويب عالم آخر. لكن العلم يتقدّم، يأتي في كل يوم بالعجب العجاب، يجعل عين الإنسان ترى أشعة الكون الأحفورية، وهي صورته بعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم. العلماء أهل دعابة، أطلقوا عليها اسم «صرخة الميلاد».

لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: شتان ما بين عظمة العلوم، وانحدار الغرائز الشريرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2k7fuwbw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"