عادي
الفيروس الحليمي البشري سبب رئيسي

سرطان عنق الرحم.. أورام تتوغل في صمت

21:48 مساء
قراءة 6 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

تصاب بعض النساء بين 35 و39 عاماً، وبين 60 و64 بسرطان عنق الرحم، ويحتل هذا المرض المرتبة الرابعة والأكثر شيوعاً بين السيدات، وقد قدرت منظمة الصحة العالمية حالاته بنحو 604 ألف حالة، و342 ألف وفاة في عام 2020 من جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المصابين، وشدة فتك المرض، فإن الشفاء منه والتخلص من تبعاته المؤذية والمؤلمة، يمكن أن يتم من خلال الكشف المبكر، كما تشمل المكافحة الشاملة لسرطان عنق الرحم، الحماية الأولية عن طريق التطعيم ضد فيروس الورم الحُليمي البشري، والوقاية الثانوية بفحص الآفات السابقة للتسرطُن وعلاجها، وفي السطور القادمة، يسلط مجموعة من الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.

تتمثل أعراض الإصابة بسرطان عنق الرحم في النزيف المهبلي غير الطبيعي الذي قد لا يكون منتظماً خلال فترات الدورة الشهرية أو بعدها أو أثناء الجماع، وكذلك الإفرازات المهبلية الدموية والمائية التي تكون سميكة أو كريهة الرائحة، وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى ضرورة الخضوع إلى بروتوكولات الفحص الدورية، وفقاً للدكتورة ريجا أبراهام اختصاصية أمراض النساء والولادة.

يتزايد خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم لدى المصابات بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري الذي تتعرض له كل امرأة لمرة واحدة خلال عمرها، أو الفتيات اللاتي يتزوجن تحت سن ال 18، أو النساء اللواتي يعانين أمراضاً مثل الهربس والكلاميديا؛ لذلك فإن نشر التثقيف السليم في المدارس بين فئة المراهقين، والترويج للقاحات عن فيروس الورم الحليمي البشري بين الأطفال من الجنسين من عمر ال 9 سنوات، وكذلك للبالغين غير المطعمين للوقاية من سلالات الفيروس المسرطنة عالية المخاطر، يُقلل نسبة الإصابة بالسرطان.

وتشير د.إبراهام إلى أن النساء اللواتي لا يتبنين نمط حياة صحياً أو يتبعن عادات سيئة كالتدخين بكثرة أو تعاطي مواد أخرى فإنهن يتعرضن أيضاً لزيادة خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، كما يستهدف النساء اللواتي يعانين ضعف جهاز المناعة، نتيجة إصابتهن بأمراض كنقص المناعة المكتسبة «الإيدز» وأمراض أخرى كالتثبيط المناعي المزمن، فضلاً عن السيدات اللاتي أنجبن عدة مرات (أكثر من 3 ولادات مكتملة)، والفتيات الصغيرات بسن ال 17 بعد أول ولادة لهن.

وتضيف: أظهرت الدراسات أن الاستخدام المطول لحبوب منع الحمل الفموية (لأكثر من 5 أعوام) يؤدي إلى زيادة طفيفة في خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم على الرغم من أن النتائج لم تكن متناسقة، كما أن التعرض داخل الرحم لمادة ثنائي إيثيل ستيلبوستيرول الكيميائية يشكل عامل خطر كبير، فضلاً عن وجود تاريخ عائلي إيحابي للإصابة بهذا المرض.

فحوص واختبارات

توضح د. أروى بن الغربي اختصاصية الأمراض النسائية والتوليد أن تشخيص سرطان عنق الرحم يتم عن طريق الفحص الدوري للنساء ما بين عمر 21 و65 سنة، وخضوعهن لمسح عنق الرحم كل ثلاث سنوات، للكشف عن أي تغيرات في خلايا عنق الرحم، إضافة إلى اختبار فيروس الورم الحليمي البشري الذي يُعد السبب الرئيسي لنشأة الأورام الخبيثة في هذه المنطقة، وكذلك المنظار المهبلي، ويمكن أخذ خزعة، وفي حال تأكيد الإصابة يطلب الطبيب المختص، إجراء فحوص أكثر دقة، لتحديد مرحلة الانتشار.

وتضيف: أن بعض الأمراض النسائية يمكن أن تزيد من فرص الإصابة بسرطان عنق الرحم، مثل: أمراض نقص المناعة، تناول حبوب منع الحمل لأكثر من خمس سنوات، وجود سرطان الكلى، أو المثانة أو المهبل، الإنجاب قبل عمر 17 سنة، التدخين، والعادات الغذائية السيئة.

وشددت د.الغربي على ضرورة الكشف الدوري والمنتظم، خاصة مع ظهور دلالات وأعراض غير طبيعية كالتنقيط الدموي، إفرازات مهبلية غير طبيعية، مشاكل في التبول أو ألم أسفل الظهر والبطن، الشعور بالإرهاق، نقص الشهية وفقدان الوزن، والنزيف من منطقة المستقيم وتجدر الإشارة إلى أن سرطان عنق الرحم من الأمراض التي تظل صامتة إلى أن تصل إلى مراحل متقدمة، وربما تمتد لتصيب أعضاء أخرى في الجسم، وفي الأغلب تستهدف الرئتين، الكبد، المثانة، والمهبل.

مضاعفات ومخاطر

توضح د. باسمة جبر استشارية الأمراض النسائية والتوليد أن سرطان عنق الرحم أحد الأنواع الأكثر شيوعاً عند النساء في سن النشاط التناسلي، ويُعد الفيروس الحليمي البشري المتهم الرئيسي لحدوث هذا المرض، بنسبة 99% من الحالات، على الرغم من وجود عدد من عوامل الخطورة تؤدي إلى الإصابة، مثل الإنجاب في سن مبكرة، والتدخين السلبي، إلا أن العوامل المناعية لها الدور الأكبر، وخاصة أمراض المناعة الذاتية مثل الإيدز وغيره، ما يجعل المريضة غير قادرة على وقف هذا الامتداد الوبائي المهدد للحياة.

تؤكد د.جبر أن طريقه النخل والمسح التي تستطيع اكتشاف وجود التغيرات الخلوية، عن طريق إجراء «مسحة عنق الرحم» تُعد من أهم الوسائل في كشف مدى استعداد المريضة للإصابة، كما يجب التركيز على الفحوص التي تساعد في اكتشاف الفيروس الحليمي وتنميطه.

تلفت د.جبر إلى أن التدابير الوقائية من الإصابة بسرطان عنق الرحم تختلف بحسب درجة التغيرات التي تحدث في الخلايا، وتعتمد بشكل كبير على المراقبة وإجراء مسحة أو تنظير خلال 6 أشهر عند وجود مؤشرات غير طبيعية؛ حيث إن التبدلات الطفيفة في الأغلب تتراجع تلقائياً مع نمط الحياة، خلافاً للأنماط المتأخرة والتي تترافق مع السرطان المجهري الذي تغزو فيه الخلايا السرطانية الغشاء القاعدي وتتغلغل عميقاً، وعلى الرغم من أن الاستئصال الكهربائي للخلايا الشاذة يتم عن طريق الخزعة المخروطية والتأكد من سلامة حوافها، فإنه يتطلب نوعاً من المراقبة الحثيثة للمريضة، وإجراء الفحوص اللازمة خلال السنتين التاليتين حتى يتم التعافي بشكل تام، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الحالات تتطلب إرفاق العلاج الشعاعي مع الكيميائي بالمراحل المتطورة.

لُقاح آمن

يشير د. جلاء عبد الوهاب، اختصاصي اللقاحات، إلى أن المرض يفتك بامرأة كل دقيقتين، وعادةً ما تكون أكثر الإصابات في الدول ذات الدخل المتوسط، والمتدني؛ لذلك تُعد التطعيمات المكافحة لفيروس الورم الحليمي البشري الآمنة والفاعلة، قادرة أن تمنع ما يصل إلى 90% من حالات سرطان عنق الرحم، وتسهم في تجنب 17.4 حالة وفاة بين كل 1000 امرأة تم تطعيمها.

يذكر د.عبد الوهاب أن الفتيات يجب أن يتلقين اللقاح في الفترة ما بين 9 و14 عاماً، وهذا هو السبب في كون التطعيم في المدارس أحد أكثر استراتيجيات التلقيح تأثيراً، لضمان استكمال جرعات اللقاح؛ حيث تم تطوير استراتيجيات مخصصة للفتيات خارج المدرسة أيضاً، وبحسب التوصيات الحالية، فإنه لا بد للفتيات والسيدات من كافة الفئات العمرية تلقي جرعتين من اللقاح.

ويضيف: في ديسمبر 2022 أصدرت مجموعة الخبراء الاستشارية الاستراتيجية حول التطعيم، التابعة للمنظمة العالمية للصحة توصية تسمح للدول باختيار جدولة جرعة واحدة فقط، وينص الإصدار على أنه يمكن للجدول الزمني للجرعة الواحدة أن يوفر فاعلية ومتانة مماثلة للحماية لنظام من جرعتين، ما يفيد مستقبل الفتيات والسيدات؛ حيث إنه يعني إمكانية قيام الدول بتلقيح أعداد أكبر منهن، وبشكل أسرع، ما يعني تسريع الوصول إلى أهداف برامج التلقيح الوطنية؛ لذلك تُعد أفضل طريقة تستطيع بها النساء حماية أنفسهن ومجتمعاتهن من الإصابة بسرطان عنق الرحم هي الحصول على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري والكشف المبكر عن المرض، والذي يتم من خلاله القضاء على هذا المرض عالمياً.

مسحة وقائية

تذكر د. بنديا جمب استشارية أمراض النساء والولادة أن مسحة عنق الرحم، هي إجراء للكشف المبكر عن الأورام الخبيثة الموجودة أو التي ستنشأ مستقبلاً في هذه المنطقة ويوفر فرصة أكبر للشفاء الأمثل، ويتضمن جمع الخلايا من عنق الرحم وفحصها بدقة تحت المجهر للتحقق من أي تغييرات غير طبيعية، أو خلايا محتملة التسرطن؛ لذلك يُنصح بإجراء هذا الاختبار على فترات منتظمة (عادة كل 3-5 سنوات للنساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 21 و65 عاماً)، لإعطاء فرصه وقابلية أكبر لاحتواء المرض والقضاء عليه.

وتضيف: تساعد مسحة عنق الرحم في الكشف عن الخلايا السرطانية التي يمكن علاجها قبل أن تتحول إلى سرطان، وكذلك الاكتشاف العرضي لمشاكل مثل الالتهابات أو الأورام الحميدة الصغيرة؛ لذلك تعد هذه الاختبارات طريقة فاعلة لتقليل مخاطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، وإنقاذ الأرواح عن طريق الكشف المبكر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5684x487

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"