آسيا تقود الطريق

21:30 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

تتحدث دراسات اقتصادية غربية، عن التقلبات الاقتصادية العالمية، نتيجة تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها لاسيما في أسعار النفط والغذاء وقضايا سلاسل التوريد، تلك الأزمة التي أتت بعد أزمة «كوفيد- 19» التي اشتعلت في عامي 2020 و2021. ومثلت أكثر الفترات اضطراباً من الناحية الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث نتج عنها ركود اقتصادي عالمي وانخفاض حاد في الصادرات وتقلص حجم التجارة وإعاقة سلسلة التوريد العالمية، عدا الآثار الصحية وتداعياتها الاقتصادية، حيث عانت أنظمة الصحة العامة في البلدان المتقدمة والناشئة سريعة النمو فيها وبدرجة أكبر البلدان النامية في مواجهة الوباء. وبعد جائحة «كوفيد – 19»، تفيد بيانات معهد التمويل الدولي بأن إجمالي الديون ارتفع من مستوى 255 تريليون دولار عام 2019 إلى نحو 325 تريليون دولار عام 2020، مسجلاً زيادة نسبتها 4, 27%. وترجع تلك الزيادة في الديون إلى قيام البلدان في جميع أنحاء العالم بزيادة الإنفاق الحكومي لمنع اقتصاداتها من الانزلاق إلى الركود في أعقاب جائحة كورونا. ورغم كل تلك العوامل المعاكسة، لا تزال آسيا النامية تمثل بارقة أمل، وهي في طريقها لتحقيق أداء أفضل من المناطق الأخرى على مستوى العالم، سواء من حيث النمو أو التضخم، وتستند تلك الدراسات الغربية إلى عدد من المؤشرات أهمها، أن مؤشرات بنك التنمية الآسيوي تميل إلى أن معدلات التحسن ستكون أقل قليلًا من المتوقع، حيث بلغت نسبة النمو والتوسع في آسيا 4.2% في عام 2022 ومن المرجح أن تزيد هذه النسبة إلى 4.6% في عام 2023. والرقمان أقل قليلًا من معدل النمو والتوسع المقدر سابقاً بنسبتي 4.3% و4.9% على التوالي. وستصبح دول آسيوية عديدة- ولاسيما تلك المؤهلة لتكون قوى وسطى- من بين تلك الجهات الفاعلة التي تقدم حلولًا لمشكلات عالمية متنوعة. ومن المرجح أن يشهد النظام العالمي الجديد الناشئ المزيد من صور التعاون، التي ستسيطر عليها قضايا نقل المعرفة الاقتصادية والتكنولوجية، وليس قضايا التحالفات السياسية والأمنية، وهو ما سيسهم في تقدم آسيا المستمر.

ما يدعم رؤية أن آسيا تقود الطريق، ما أبرزته أزمة عام 2008 من بزوغ آسيا كقاطرة للاقتصاد العالمي، و أن دورها آخذ في النمو – في التجارة والتمويل العالميين والحوكمة الاقتصادية. وهو ما أكدته دراسات اقتصادية مدعمة بالأرقام من أن الأسواق الصاعدة لا سيما الآسيوية - تمكنت من تحقيق نجاح اقتصادي بارز بتطبيق ثلاثة مبادئ أساسية هي الانضباط أي الالتزام المستمر باستراتيجية براجماتية للنمو تتوخى اليقظة والمرونة وتثمين ما يفيد البلد ككل أكثر مما يفيد فرداً واحداً أو مجموعة مصالح بعينها، ويشيرون إلى حكاية آيسوب عن «النملة والجندب» والتي يمضي فيها «الجندب ( الدول المتقدمة بصفة عامة) شهور الصيف يغني بينما «النملة» ( الدول الناشئة والناهضة بصفة عامة ) تخزن الطعام لفصل الشتاء، حين يصبح الجو بارداً يجد الجندب نفسه متضوراً من الجوع ويتوسل إلى النملة للحصول على الطعام.

وبالنسبة إلى ما أشارت إليه دراسات غربية من أنه ستصبح دول آسيوية عديدة- ولاسيما تلك المؤهلة لتكون قوى وسطى- من بين تلك الجهات الفاعلة اقتصادياً على المستوى العالمي، فإنها تعيدنا إلى ما سبق أن قاله اقتصادي التنمية الراحل السير أرثر لويس، في المحاضرة التي ألقاها بمناسبة فوزه بجائزة نوبل في عام 1979، أن معدل نمو الناتج في العالم النامي اعتمد على مدى مئات الأعوام الماضية على معدل نمو الناتج في العالم المتقدم. فعندما ينمو العالم المتقدم بسرعة، ينمو العالم النامي بسرعة، وعندما تتباطأ وتيرة النمو في العالم المتقدم، تتباطأ أيضاً وتيرة العالم النامي فهل هذا الارتباط حتمي؟

أجابت البيانات الاقتصادية على تساؤل العالم الاقتصادي الراحل أرثر لويس، بأنه منذ أزمة عام 2008 ثبت أن هذا الارتباط غير حتمي، وثبت أنه يقل اعتماد النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة النامية على الاقتصادات المتقدمة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ywpx8smu

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"