الأسرة والارتقاء بالموسيقى العربية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس موضوع الارتقاء بالموسيقى العربية محتاجاً إلى شيء من الذهاب إلى بعيد؟ بلى، فالأمر بلاء. هل تستطيع الأسرة الاضطلاع بدور فعّال في حمل هذه الأمانة؟ صرخت في وجه القلم: صهٍ، لا تقل إن الأسرة نفسها واقعة في هاوية الهبوط الموسيقي، والمثل يقول: «جئنا به يشفع في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ». الأسرة قادرة على لعب دور لجنة الرقابة على المصنفات، دور محكمة فنية، دور منظومة قيم فنية تربّي الذوق، تحميه وترعاه.
المشهد قضية تستدعي المكاشفة بشفافية. الموسيقى ليست مكوّناً ثقافياً يحتمل الإهمال، وإن لم يكن جائزاً التقليل من شأن أيّ من الأركان الثقافية. بعض علماء الاجتماع يرى الموسيقى تشكل 70% من ثقافة الشعوب. ثم لا يتوهمنّ أحد أو جهة أن الحياة تسير على ما يرام إذا ارتفع مستوى المعيشة مادياً، وظل الذوق العام رهين محابس الهبوط الفني والكلمات المبتذلة والألحان السطحية. 
على المؤسسات الثقافية ووسائط الإعلام ذات العلاقة بالموسيقى، أن تدرك أن الانحباس في بوتقة الأغنية إنما هو رضا بالحد الأدنى من الأشكال الموسيقية، لأن الأغنية، بصرف النظر عن جمال ألحانها، تظل موسيقى غير كاملة التعبير، غير مستقلة عن الكلام، غير ذات سيادة تعبيرية. ينجم عن ذلك أن الدماغ لا يكون قادراً على استيعاب عالم الأفكار الموسيقية.
 لمزيد من الشفافية في توصيف مأساتنا الذوقية، لدينا في تراثنا الأدبي أطنان من الكلام الموزون المقفى، المحسوبة على الشعر وهي ليست بشعر. هي حكم، مواعظ، مواقف، أحكام... هذه التربية الذوقية التقليدية هي من أسباب عدم القدرة على استيعاب الأفكار المجردة بكل تردداتها. تأمل غياب الفلاسفة ومراكز البحث العلمي، انظر إلى قلّة الغزليات الصوفية في ميراثنا، وأخيراً تَفكّر في العجز عن الإحساس بجمال التعبير الموسيقي المستقل عن الكلام. موسيقانا خرساء تعبّر عنها الكلمات. نوماً هنيئاً لأوساط الموسيقى العربية.
تسأل: ما الذي يمكن أن تفعله الأسرة؟ هي قادرة على تفجير ينابيع الخير والجمال الموسيقية. منذ فتح الطفل عينيه على الدنيا، أسمعوه باقات منوعة من البدائع العربية والروائع الكلاسيكية: أم كلثوم، فيروز، محمد عبدالوهاب، وديع، أمّا الموسيقى السيمفونية فبحار، فافتحوا له آفاق الإبحار مع باخ، موتزارت، بيتهوفن، تشايكوفسكي، ديبوسي شوبيرت...
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينية: لن تقبل أذن الطفل بعد تلك القمم، التردي إلى مهاوي الهبوط. أبداً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fk2hr5ap

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"