لم يعد من السهل إذا زرت بعض المستشفيات للاستطباب، ولو من حالة زكام أو شيء من الصداع، أن تغادر المستشفى قبل ساعتين أو ثلاث، من دخولك إليها؛ فالمسألة مرهونة ببطاقة التأمين التي في جيبك، ولكن كيف؟
قبل الإجابة، هناك بعض الحالات التي تحتاج فعلاً إلى فحوص وتحاليل كثيرة، قبل أن يكتب الطبيب الوصفة، وهذه تكون غالباً مقرونة بكبار السنّ أو ممن لديهم أمراض كثيرة، ولكن ما فائدة ذلك لشاب أو رجل كل ما يعانيه مجرد زكام، سببه كما اعتدنا في حياتنا اختلاف الطقس بين فصول السنة وغيرها.
مسألة التأمين الصحي التي تنقذ الناس من كلف العلاجات، أصبحت هي نفسها مشكلة كبيرة عليهم، لأن بعض الأطباء، وللأسف الشديد، يبالغون كثيراً في طلب التحاليل والفحوص، بذريعة التأكد من حال المريض، التي تنتهي بعلاج اعتاده المريض، منذ سنوات طويلة، ويعرفه جيداً، لكن لم يعد بمقدوره شراؤه مباشرة من الصيدلية، بسبب التشديدات الكبيرة التي فرضتها وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بمنع صرف الكثير من الأدوية وحتى «المضادات الحيوية» إلّا بموجب وصفه طبية.
طبعاً للوزارة ما يبرر قرارها في مسألة تقنين صرف الأدوية، حفاظاً على الصحة العامة، لكن لو احتاج شخص ما إلى قياس ضغطه أو نسبة السكر لديه، كما كان سابقاً، فلم يعد بمقدوره فعل ذلك في أي صيدلية، لأن الأمر أصبح مخالفاً لتعليمات الوزارة.
لكن ما الحل هنا؟ المريض بهذه الحال مطالب بمراجعة مستشفى، وهنا عدنا إلى القضية نفسها، من تحليلات وفحوص ليس لها أول من آخر، لتشخيص الحال، وكتابة العلاج نفسه.
عودة إلى مسألة التأمين، فللأسف الشديد، أن أغلبية مستشفيات القطاع الخاص، بدأت تفرض على الأطباء العاملين فيها، شيئاً يشبه «المعدل» المطلوب، وهو إيراد مادي مطالب الطبيب بتحقيقه نهاية كل شهر أو سنة، حتى يحتفظ بموقعه أو يجدد عقده، ودليل ذلك أن بعض مستشفيات القطاع الخاص ترفض بتاتاً أي صور أو تحليلات، أجراها المريض في مستشفى آخر، وتطلب منه إعادتها كاملة، لأنه ما فائدة أن يكون نصيب المستشفى من هذا المريض كشف الطبيب فقط، مادام النصيب الأكبر من «تأمينه» ذهب إلى مشفى آخر؟!
مسألة التأمين الصحي في غاية الأهمية، وهي بالتأكيد حق أصيل للبشر، إزاء ارتفاع كلف الطب والعلاج، ولكن يجب أن تحسن المستشفيات نفسها استخدامها وإدارتها، وتحت إشراف وزارة الصحة، لأن المبالغات التي تمارسها بعض المستشفيات، أصبحت مقلقة ومكلفة مالياً ومعنوياً على المريض، وعلى الجهات التي توفر هذا التأمين أصلاً.
